للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجدال والمراء من أسباب القطيعة وإفساد ذات البين]

قال: [وعن عبد الله بن الحسن قال: المراء يفسد الصداقة القديمة، ويحل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه -يعني: أقل مفسدة تأتي من قبله- أن تكون المغالبة، والمغالبة أمتن أسباب القطيعة].

فكأنه يقول لك: احذر أن تخاصم أو تجادل؛ لأن الخصومة والمجادلة تفسد الصحبة القديمة، فإذا كان الجدل والمناظرة والمماحلة بالباطل يقدم على الصديق، فهذا يريد أن يغلب وينتصر لنفسه، وهذا جل أمره أن تكون له دائماً السيادة والريادة والغلبة على صديقه، فلابد أن يتأثر الصديقان بهذا الأمر، فإنه يعز على الصديق أن يكون في كل مرة مغلوباً، فالجدال يحل عقدة الصداقة القديمة، والإنسان يحرص على أن يكون غالباً لا مغلوباً، مع أن هذا يخالف ما كان عليه السلف.

فـ الشافعي رضي الله عنه ورحمه يقول: ما ناظرت أحداً قط إلا تمنيت أن يظهر الله تعالى الحق على لسانه.

أرأيتم الأدب؟! والشافعي صادق في هذا، فالسلف يقولون ذلك بصدق، كما قال بعضهم: لو كانت للمعاصي رائحة لما استطاع أحد أن يجالسني.

فعندما يقول هذا الكلام مثل الحسن البصري فإن هذا على سبيل الورع؛ فكان يعلم الأمة في زمانه الورع، وكان لا يؤخذ عليه مأخذة واحدة، فكل الذين ترجموا له لم يختلف أحد منهم في صلاحه وورعه وتقواه، لكن الآن من الناس من يجاهر الله بالمعاصي، وكلما تقلب صفحة تجدها أشد سواداً من التي قبلها، فقول أحدهم: (لو كانت للمعاصي رائحة ما استطاع) قول صحيح، لكنه لا يقول ذلك على سبيل الورع، وإنما يقول ذلك مجاهرة، بخلاف أن يقول هذا الكلام ابن سيرين أو الحسن البصري أو قيس بن أبي حازم أو عبد الله بن المبارك أو غيرهم فهؤلاء يقولون هذا الكلام ورعاً وتأدباً بين يدي الله عز وجل.