[الرد على شبهة أن قبر النبي وصاحبيه داخل المسجد]
السؤال
كنت أنصح شخصاًَ من إخواني بعدم الصلاة في المساجد التي فيها قبور، فأثار شبهة وهي: وجود قبر النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبيه: أبي بكر وعمر في مسجد المدينة، ومع هذا لا قائل بترك الصلاة في هذا المسجد من علماء الأمة، فما ردكم على هذه الشبهة؟
الجواب
هذا كلام صحيح أنه لا قائل قط بترك الصلاة في مسجد المدينة، بل لا يقول ذلك إلا إنسان جاهل لا علم عنده.
أما الجواب عن هذه الشبهة: فإن القبر لم يبن في المسجد، ولم يبن عليه المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
والمسلمون لم يتخذوا قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسجداًَ ابتداءً، والعلماء يفرقون بين بناء المسجد على القبر، وبين أن يبنى المسجد أولاً، ثم يبنى بداخله القبر، فلا هذا ولا ذاك في قبر النبي عليه الصلاة والسلام.
لكن الوليد بن عبد الملك رحمه الله لما أراد توسعة المسجد النبوي، ونحن لسنا في حاجة إلى توسعة مسجد ما، بخلاف حاجة المسلمين عامة في العالم كله إلى توسعة هذه المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال: المسجد النبوي، والأقصى، والمسجد الحرام.
فهذه المساجد في أمس الحاجة إلى توسعة في كل فترة من الزمن، ولذلك يقوم كل واحد في زمانه بتوسعة هذه المساجد شيئاً ما؛ لحاجة الناس.
ولك أن تتصور الآن أن النبي عليه الصلاة والسلام حج في حجة الوداع أو في عام الوداع -وهي حجته الوحيدة- وكان معه (١١٤٠٠٠) من المسلمين، وهذا عدد مهول في ذلك الزمان، ولا يزال العدد الآن في ازدياد؛ حتى وصلوا إلى ثلاثة ملايين.
وبلا شك لو كان المسجد الحرام على هيئته الأولى في زمن النبوة؛ فإنه لا يكفي لهذا العدد، ولذلك كانت هذه التوسعة أمراً لازماً ضروياً للحفاظ على حياة الناس، وأنت ترى في كل عام من مواسم الحج آلاف القتلى من الزحام، فلك أن تتصور أن هذه الأماكن النسكية كانت على هيئتها الأولى، فماذا كان سيصنع الناس؟! أقول هذا الكلام كالمقدمة إلى الضرورة الملحة التي جعلت الوليد بن عبد الملك بن مروان يوسع المسجد النبوي، ورغماً عنه دخل القبر في المسجد بسبب التوسعة، لكن بغير قصد، وائتني بمسجد من مساجد المسلمين عامة دخل فيه القبر بغير قصد، قبر الحسين دخل مسجد الحسين بقصد.
وهكذا كل المساجد التي فيها قبور دخلت القبور فيها بقصد، بل بوصية مكتوبة أو شفهية.
أما الذي حدث بقبر النبي عليه الصلاة والسلام فليس بقصد، فضلاً أن هذا المسجد له مكانة عظيمة، وهو محفوظ بحفظ الله.
والنبي عليه الصلاة والسلام قد دعا فقال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد).
فلا زلنا إلى يومنا هذا لا نرى عابداً لقبر النبي عليه الصلاة والسلام، بل ولا تجد شخصاً مثلاً يأخذ تراباً ويضعه على رأسه مثل ما يفعل مثلاً عند قبر الإمام الشافعي، وأنتم تعرفون أن قبر الإمام الشافعي إلى الآن له يوم في السنة يزوره الناس، فيأتي إليه عباد القبور من شرق الأرض وغربها، حتى رأيت أناساً من أوربا وأمريكا يأتون ليشتروا التراب من كنس المسجد في هذا اليوم بمائة دولار؛ لأنهم يعتقدون في هذا التراب! فهل رأيتم ما الذي يجري حول هذه القبور من الاستغاثة والنذر والذبح والاستعاذة والتضرع والذل والطواف؟ وهل رأيتم مثل هذا عند قبر النبي عليه الصلاة والسلام؟ ثم إن الأصل تحريم الصلاة في المساجد التي فيها قبور لنفي شبهة الشرك، وليست هذه الشبهة قائمة عند قبر النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا فارق من الفوارق بين مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره من المساجد.
الفارق الثاني: أن هذا القبر محفوظ أن يكون وثناً، وهناك فرق كبير جداً بين القبر وبين الوثن، فالوثن: هو ما عبد من دون الله، أما القبر فلا، ولذلك مكان دفن الموتى هو القبور لا المساجد، ثم وجود القبر في مسجد على هذا النحو الذي نراه يحوله من قبر إلى وثن؛ لوجود هذه العبادات حوله، وكلنا يعرف ما يحصل في القبور بشكل واضح، فهذه ليست قبوراً وإنما هي أوثان، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد).
وأنتم تعلمون أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم مستجاب، فسيبقى قبره عليه الصلاة والسلام قبراً فقط، لا وثناً إلى قيام الساعة؛ بدعوته عليه الصلاة والسلام.
الفارق الثالث: أن هذا المسجد له خاصية، تختلف عن بقية المساجد، فشد الرحال إليه -أي: إلى المسجد النبوي- مشروع في الإسلام، والصلاة فيه أفضل من الصلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام والمسجد الأقصى.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.