للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحذير من مجالسة المرجئة والتأثر بأقوالهم في الإيمان]

قال: [فاحذروا رحمكم الله مجالسة قوم مرقوا من الدين، فإنهم جحدوا التنزيل وخالفوا الرسول، وخرجوا عن إجماع علماء المسلمين، وهم قوم يقولون: الإيمان قول بلا عمل]، يعني: فإن هذا هو أس البلاء عند المرجئة؛ وأهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل، وهذا كلام متين جداً، الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

عند المرجئة الإيمان قول بغير عمل، والأحمق فيهم ينص على أن العمل لا علاقة له بالإيمان، وخطورة هذا الكلام أن من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة لزاماً، وإن ارتكب جميع الموبقات وترك جميع الأوامر؛ لأن الأوامر والنواهي أعمال تحتاج إلى امتثال.

إذاً: ليستا بواجب؛ سيستوي عندهم من امتثل مع من عصى.

قال: [ويقولون: إن الله عز وجل فرض على العباد الفرائض ولم يرد منهم أن يعملوها]، أتتصور أن هذا كلام عاقل؟ وهو أن الله عز وجل لم يرد منا الصلاة ولا الصيام ولا الزكاة، ولا الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، أي: أن الله أمرنا بأوامر ونهانا عن أشياء، لكن لم يرد حقيقة الأمر ولا حقيقة النهي! هذا الكلام تخريف، هذا الكلام لا يقبله صاحب العقل المريض، فما بالك بالعقل السليم؟! قال: [وليس بضائر لهم]، أي: لا يضرهم، [أن يتركوها، وحرم عليهم المحارم فهم مؤمنون وإن ارتكبوها].

يعني: الواحد يقول: ربنا حرم علي إتيان المحارم، والجمع بين الأختين، وأنا سأجمع بين الأختين، أمرني ألا أنكح ابنتي أو أمي، وأنا سأنكح ابنتي وأمي، هل هذا ممكن؟! أو يقول: أنا أعلم يقيناً أن الله تعالى حرم علي نكاح الأم من النسب أو من الرضاعة، وهذه أمي من النسب وأنا أشهدكم أني سأتزوجها، مع علمي بالتحريم، لأن الله ما أراد مني حقيقة هذا التحريم، هل يكون هذا مسلماً؟ لا يمكن.

كمن يطأ المصحف بقدمه وهو يقول: أنا أؤمن أن الله تعالى أنزل هذا الكتاب، وهو كلامه الذي نزل من اللوح المحفوظ بواسطة جبريل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، لا يكون هذا مسلماً، وهو ما زاد على كونه عمل عملاً.

ئإذاً: من الأعمال ما يكفر بها العامل، ومن الأعمال ما يفسق بها العامل.

قال: [وإنما الإيمان عندهم أن يعترفوا بوجوب الفرائض وإن يتركوها، ويعرفوا المحارم وإن استحلوها، ويقولون: إن المعرفة بالله إيمان يغني عن الطاعة]، وهؤلاء هم الجهمية، يقولون: الإيمان هو المعرفة فقط.

والمرجئة يقولون: الإيمان هو التصديق، وهو قول بلا عمل.

والنطق بالشهادتين عند الجهمية لا يلزم في ثبوت الإسلام والإيمان، بل يكفي أن يكون عارفاً بقلبه، وفرعون عارف بقلبه، وإبليس شيخ العصاة كان عارفاً بقلبه، وقد أقر بربوبية الله عز وجل، فهل يكون إبليس على هذا المذهب مؤمناً كامل الإيمان، أو فرعون مؤمناً كامل الإيمان؟ قال: [وإن من عرف الله تعالى بقلبه فهو مؤمن، وإن المؤمن بلسانه والعارف بقلبه مؤمن كامل الإيمان، كإيمان جبريل، وإن الإيمان لا يتفاضل ولا يزيد ولا ينقص، وليس لأحد على أحد فضل، وإن المجتهد والمقصر والمطيع والعاصي جميعاً سيان].

يعني: الذي يصلي مثل الذي لا يصلي، والذي يصوم مثل الذي لا يصوم، والذي يقوم الليل مثل الذي لا يقوم الليل، والطائع كالعاصي؛ لأن الإيمان ليس له تفاضل.

التفاضل في الإيمان باعتبار العمل، فلما لم يكن العمل عندهم من الإيمان دل على نفي التفاضل في الإيمان، وبالتالي فهو لا يزيد ولا ينقص، وليس لأحد على أحد فضل، وإن المجتهد والمقصر والمطيع والعاصي جميعاً سواء عند المرجئة وعند الجهمية.

قال الشيخ: [وهذا كله كفر وضلال، وخارج بأهله عن شريعة الإسلام، وقد أكفر الله القائل بهذه المقالات في كتابه، والرسول عليه الصلاة والسلام كفره في سنته، كما كفره جماعة العلماء باتفاقهم، وكل ذلك فقد تقدم القول فيه مفصلاً في أبوابه.

وللقائل إن المعرفة إيمان فقد افترى على الله عز وجل، وفضل الباطل على الحق، وجعل إبليس وإبراهيم خليل الرحمن وموسى الكليم في الإيمان سواء]، يعني: جبريل مثل إبراهيم ومثل موسى ومثل محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم جميعاً يعرفون أن الله تعالى حق.

قال: [لأن إبليس قد عرف الله فقال: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر:٣٩]]، فهو يعترف لله بربوبيته، [وقال: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي} [الحجر:٣٦]، وكذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة:٢٦٠]]، فالذي قاله إبليس قاله إبراهيم، والذي قاله إبراهيم قاله إبليس، وهو الاعتراف بالربوبية.

[وقال موسى: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [القصص:١٧] أي: فكل هذا إقرار بربوبية الله عز وجل، اشترك فيه الأنبياء وإبليس كذلك.

[ويلزمه على أصل مذهبه الخبيث أن يكون من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه وأهل بيته ومن جاهد معه، وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، وهاجروا إليه، والذين كذبوه وحاربوه في الإيمان عندهم سواء].

أي: لأن هؤلاء أطاعوا محمداً، وهؤلاء عصوا