[تواطؤ أقوال السلف على تكفير الواقفة وأنهم شر من الجهمية]
قال: [وعن أبي داود قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم، قال: سمعت محمد بن مقاتل العباداني، وكان من خيار المسلمين يقول في الواقفة: هم عندي شر من الجهمية].
فانظر إلى هذا الكلام الكثير جداً من كلام السلف يدل على مسألة واحدة حتى تكاد ألفاظهم أن تكون متقاربة، إذ إن الكل متفق على أن الواقفة شر من الجهمية، والواقفة كفار، واللفظية جهمية، والجهمية كفار، وكلهم يقولون قولاً واحداً، وبإمكاننا أن نسرد ألف نص عن السلف بلفظ واحد: الواقفة شر من الجهمية، وكلهم يقولون هذا؛ لأن الحق واحد لا يتعدد، والباطل كثير.
[قال أبو بكر المروذي: سألت عباساً النرسي عن القرآن، فقال: نحن ليس نقف؛ نحن نقول: القرآن غير مخلوق].
أي: لا نتوقف في ذلك، بل نقول: هو كلام الله غير مخلوق.
قال: [وسألت عبيد الله بن عمر القواريري عن الواقفة، فقال: شر من الجهمية، وسألت يحيى بن أيوب عن الواقفة، فقال: هم شر من الجهمية، وسألت إبراهيم بن أبي الليث عن الواقفة، فقال: هم كفار بالله العظيم، لا يزوجوا ولا يناكحوا].
أي: إذا أتاك واحد منهم لينكح ابنتك فلا تفعل.
قال: [وسألت محمد بن عبد الله بن نمير عن الواقفة فقال: هم شر من الجهمية، وقال: هذا والوقف زندقة وكفر.
وسألت أبا بكر بن أبي شيبة عن الواقفة، فقال: هم شر من الجهمية.
وسألت عثمان بن أبي شيبة -أخو أبي بكر - عن الواقفة فقال: هم شر من الجهمية].
وهكذا كلما ننقل عن واحد من السلف نجد نفس الكلام: الواقفة شر من الجهمية.
قال: [وسألت ابن أبي معاوية الضرير عن الواقفة، فقال: هم مثل الجهمية أي: هم منهم.
قال: [وسألت هارون بن إسحاق الهمداني فقال: هم شر من الجهمية، وسألت أبا موسى الأنصاري عن الواقفة، فقال: هم شر من الجهمية، وسألت سويد بن سعيد الأنباري فقال: هم أكفر من الحمار].
وهذا مصطلح جديد، لكننا بلا شك لا نقول بكفر الحمار، وأنا قلت لكم قبل ذلك أن رجلاً سأل وقال: أنا أريد أن أعرف هل الحمار مسلم أم كافر؟ فقال: الحمار على ملة صاحبه، وهذا كلام لا ذيل له ولا رأس، وإنما خرج مخرج الضجر الشديد، والضيق الشديد جداً، ربما لاحتدام الفتنة، ثم هل الحمار كفر من أجل أن نقول: أكفر منه؟ لا، يريد أن يقول: هؤلاء أغبى من الحمار، وإذا جاز للحمار أن ينطق ويتكلم بعقيدته ما قال قولهم ولا توقف مثل توقفهم، وهذا معنى: أنه أكفر من الحمار.
قال: [وسألت أبا عبد الله بن أبي الشوارب عن رجل من الواقفة سئل عن وجه الله].
أي: هل الوجه صفة من صفات الذات أم لا؟ [سئل رجل من الواقفة عن وجه الله عز وجل أمخلوق هو أم غير مخلوق؟ فقال: لا أدريس].
أي: أنه كذلك شاك في وجه الله عز وجل، والذي يشك في كلام الله يشك في ذات الله، وهو طريقه لابد.
قال: [قال: لا أدري، فقال: هذا من الشاكة، أحب إلي أن يعيد الصلاة].
يعني: من صلى خلفه.
[وقال سلمة بن شبيب: دخلت على أحمد بن حنبل فقلت: يا أبا عبد الله! ما تقول فيمن يقول: القرآن كلام الله؟ فقال أحمد: من لم يقل: القرآن كلام الله غير مخلوق فهو كافر، ثم قال لي: لا تشكن في كفرهم، فإنه من لم يقل: القرآن كلام الله غير مخلوق، فهو يقول: مخلوق، فهو كافر].
أي: الذي يتوقف في أنه غير مخلوق لابد أنه يلزمه أن يقول: مخلوق، وإذا قال: مخلوق، فقد كفر.
ولا شك أن النصوص الواردة عن الإمام أحمد بن حنبل فيما يتعلق بفتنة القرآن الكريم كثيرة جداً، فربما تبلغ المئات أو يزيد عن ألف نص، ولك أن تتصور أنه في أيام المحنة يدخل عليه الواحد تلو الواحد، والرجل تلو الرجل، والمرأة تلو المرأة، والصبي تلو الصبي، والسلطان تلو السلطان، يسألونه ما تقول في القرآن؟ سؤال واحد والسائلون مئات وآلاف، فماذا يكون موقفه؟ وكيف تكون نفسيته عندما يسأله الآلاف سؤالاً واحداً؟ إن الواحد منا عندما يسأل سؤالاً ويجيب عنه مرة بالتفصيل، ويسأل بعده مباشرة عن نفس السؤال، فإذا به يقول: قد أجبنا عليه فلا داعي للإعادة مرة أخرى، فيضيق صدر الشخص منا لإعادته، وهذه هي طبيعة البشر وطبيعة الخلق، حتى في الكتابة، وانظر في أي جهد لأي عالم من العلماء.
وانظر إلى الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم إذ تجد فيه الكلام عن الإيمان والصلاة والوضوء والطهارة وغير ذلك، وهو كلام متين جداً وطويل، ويستوعب الإسناد بحثاً وإسناداً وترجمة وغير ذلك، وذكر مناقب الرواة، ثم بعد ذلك بدأ الإمام النووي يتساهل ويختصر، حتى تأتي إلى الحديث الذي يحتاج إلى كلام في عشرات الورقات يختصره في صفحة واحدة أو نصف صفحة؛ لأنه مل، وهذه طبيعة الخلق.
وانظر إلى جهد الحافظ ا