[ما جاء عن السلف في النهي عن الكلام في القدر]
[وقال ابن أبزى: بلغ عمر أن ناساً تكلموا في القدر، فقام خطيباً وقال: يا أيها الناس! إنما هلك من كان قبلكم في القدر، والذي نفسي بيده لا أسمع برجلين تكلما فيه إلا ضربت أعناقهما -وكان عمر يأتي للأمر من جذوره، رضي الله عنه- فأمسك الناس حتى نبغت نابغة في الشام].
وهو غيلان.
[وعن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عباس فقال: يا أبا عباس أوصني، فقال: أوصيك بتقوى الله وإياك وذكر أصحاب النبي].
فإذا ذكرت الخلاف بين معاوية رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه، وإذا كنت تعتقد هذا الشيء فينبغي أن تذكر جبال الطاعات والحسنات التي كانت لـ معاوية ولـ علي؛ [فإنك لا تدري ما سبق لهما من الفضل، وإياك وعمل النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر؛ فإنها تدعوا إلى كهانة]، يعني: أنها تؤدي بك إلى العرافة والكهانة والسحر، [وإياك ومجالسة الذين يكذبون بالقدر، ومن أحب أن تستجاب دعوته، وأن يزكى عمله ويقبل منه؛ فليصدق حديثه، وليؤد أمانته، وليسلم صدره للمسلمين].
[وعن أبي الخليل قال: كنا نتحدث عن القدر فوقف علينا ابن عباس فقال: إنكم قد أفضتم في أمر لم تدركوا غوره]، يعني: أن الذي يدخل ويتكلم في القدر فقل أن يرجع سالماً.
[وقال مسلم بن يسار في الكلام عن القدر: هما واديان عريضان -أي: القضاء والقدر- عميقان، يسلك الناس فيهما، لم يدرك غورهما -يعني: مهما سلكوا فيهما فلن يصلوا- فاعمل عمل رجل يعلم أنه لن ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له].
وهذا كلام جميل ومريح.
[وقال زياد بن عمر القرشي عن أبيه: كنت جالساً عند ابن عمر فسئل عن القدر، فقال: شيء أراد الله ألا يطلعكم عليه -أي: هو شيء ستره الله عنكم، وهو سر الله في الخلق- فلا تريدوا من الله ما أبى عليكم] أو ما أخفى عنكم.
[وعن عبدة بن أبي لبابة قال: علم الله ما هو خالق، وما الخلق عاملون، -أي: أن الله تعالى علم قبل أن يخلق الخلق أنه سيخلق الخلق، وأنهم سيعملون الخير والشر- ثم كتبه -أي: كتب ذلك في اللوح المحفوظ- ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:٧٠]].
قال الشيخ ابن بطة رحمه الله: [فجميع ما قد رويناه في هذا الباب يلزم العقلاء الإيمان بالقدر -أي: أن الإيمان بالقدر واجب-، والرضا والتسليم لقضاء الله وقدره]، أي الرضا بقضاء الله وقدره الشرعي، وأما الكوني: فنحن نبغض ما يبغضه الله، ونحب ما يحبه الله.
قال: [وترك البحث والتنقير، وإسقاط لم وكيف وليت ولولا]، يعني: لا تقل: لماذا ربنا خلق هذا ولم يخلق هذا؟ ولم أثاب الله فلاناً؟ ولم قتل فلاناً؟ ولم أحيا فلاناً؟ فهذا لا يمكن أن يكون خطاباً مع الله عز وجل، فإن هذه كلها اعتراضات من العبد على ربه، ومن الجاهل على العالم معارضة، ومن المخلوق الضعيف الذليل على الخالق القوي العزيز، والرضا والتسليم طريق الهدى -أي: أن ترضى بما قضاه الله وقدره، وأن تسلم لله عز وجل في أمره ونهيه، هذا طريق الهدى- وسبيل أهل التقوى، ومذهب من شرح الله صدره للإسلام، فهو على نور من ربه، فهو يؤمن بالقدر كله خيره وشره، وأنه واقع بمقدور الله، جرى بذلك العلم والقلم، ومن يعلم أن الله يضل من يشاء؛ ويهدي من يشاء فقد سلك سبيل الرشاد، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣]، وسأزيد من بيان الحجة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته، وعن التابعين وفقهاء المسلمين في ترك مجالسة القدرية، ومواضعتهم القول ومناظرتهم والإعراض عنهم، وقد تكلمنا في هذا من قبل].
يعني: قد تكلمنا ونقلنا نقولات عظيمة جداً عن السلف في عدم مناكحة القدرية، ومجالستهم ومناظرتهم، وعدم الصلاة خلفهم، وعدم عيادة مرضاهم، وعدم تشييع جنائزهم، ومقاطعتهم مقاطعة تامة؛ لما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: (القدرية مجوس هذه الأمة).