ثم دخل الشر بعد ذلك لما ترجمت كتب اليونان في زمن العباسيين، وكتب الفرس؛ لأن الفرس كانوا أصحاب حضارة، واليونان كانوا أصحاب حضارة، فلما ترجمت كتب حضارة الفرس وحضارة اليونان إلى الإسلام، دخلت الفلسفة والثقافات الغربية على المسلمين، فأفسدت عليهم أمر دينهم، واشتغل بعضهم بدراستها لاعتقادهم أنها تزيدهم معرفة ويقيناً، في الوقت الذي أعرضوا فيه عن كتاب الله عز وجل.
فلو أخرجنا مثلاً من الأمثلة لوجدنا أن طه حسين أعمى البصر والبصيرة، ذهب ليدرس الفلسفة الغربية في فرنسا، ورجع بالشك في كل ثوابت الإسلام وأصوله، حتى قال: لابد من الشك في كتاب الله حتى نصل إلى الحقيقة، وبكل وقاحة أثبت هذا في كتابه، بل في بعض كتبه قال: لابد من الشك، وكان اتخاذ الشك مصدراً أساسياً لتعطيل العلوم عنده، فكان مذهب التعطيل والشك دائماً في كل النصوص الشرعية وفي الإجماع، وأنكر كثيراً من الأصول الشرعية.
ثم أعلن ولده من بعده تقريباً سنة (١٩٨٨م) تنصره في الكنيسة العظمى في باريس، فكان تعليق المشايخ وأهل العلم: وماذا تنقمون على ابن طه حسين إذا كان هو شر خلف لشر سلف، فهو قد سار على نهج أبيه؟ ولكن هناك تلميع لمثل هذه الشخصيات حتى تكون القدوة في بلاد المسلمين، إذ كانوا يضيفون عليهم ألقاباً عظيمة جداً مخيفة ومهولة، بحيث لا يقدر الواحد أن يخترق هذا الجدار من هذا الأدب العربي، ومن يستطيع أن يتكلم كلمة واحدة مع عميد الأدب العربي؟ وهكذا الإمامة لفلان الفلاني، والكاتب الإسلامي الكبير، والمفكر الإسلامي الكبير، وهكذا كل من سار على نهج هؤلاء المستشرقين وأتوا إلى هذه البلاد وصاروا على نهجهم، ثم اتخذوا لهم أذناباً في هذه البلاد عندما فارقوا بلاد الإسلام، فبقي بيننا من يتكلم بألسنتنا ويدين ظاهراً بديننا، وهو أطعن لنصوص الشرع، وأبعد الناس عن دين الله عز وجل.
قصص في كل زمان ومكان تتم بمشيئة الله عز وجل؛ لأنه لا يكون في الكون إلا ما أراد وقدر سبحانه وتعالى، لما ترجمت هذه الدراسة اعتقدها الدارسون، واعتقدوا أنها تزيدهم علماً ومعرفة ويقيناً في الوقت الذي أعرضوا فيه عن كتاب الله وسنة رسوله، وزهدوا فيهما، فعند ذلك دخلت عليهم الشبه والضلالات، عندما يكون الإنسان حصيلته من الثقافة الغربية مذهلة، ورصيده من الإيمان صفراً أو فوق الصفر بشيء يسير؛ لاشك أن الشبه والضلالات تدخل عليه، واستغل ذلك أعداء الإسلام من اليهود والفرس واليونان وغيرهم، فأخذوا في ترويج باطلهم مستخدمين في ذلك من لم يتشبع بعلم الكتاب والسنة، ومن لم يدخل الإيمان في قلبه ممن دخل الإسلام؛ ليطعنه في صميم عقيدته، وكانت بعض مقالات الضلالات قد ظهرت ذيولها في أواخر عصر الصحابة كما قلنا من قبل.
ولكنها كانت محصورة في نطاق ضيق، وكانت في مسائل محدودة يسيرة، ثم استفحل الشر، وانتشر بعد ذلك بعد أن ترجمت كتب الضلال، وتطورت الخلافات وتعددت علوم الفلسفة والكلام.
إن أقسام العقيدة في الجامعات الآن يسمونها: قسم الفلسفة، أو قسم علم الكلام، حتى تعلموا أن هذه التسمية نفسها تسمية غربية لا تسمية شرعية، فعلم الكلام أو المتكلمين، أو قسم الفلسفة، كل هذه مصطلحات غربية لا علاقة للإسلام بها.