[أثر خالد بن مهران: (قلت للحسن: يا أبا سعيد! آدم خلق للأرض أم للسماء)]
[وقال خالد بن مهران الحذاء: قلت للحسن -أي: الحسن البصري أبو سعيد -: يا أبا سعيد! آدم خلق للأرض أم للسماء؟ -أي: هل الأصل في خلق الله لآدم أنه للأرض أم للسماء؟ - فقال: ما هذا يا أبا المبارك]! أي: ما هذه الأسئلة الغريبة التي تسألها، الأصل أن هذه المسائل مستقرة عندك.
[قال: فقال: خلق للأرض] أي: خلق للأرض ولم يخلق للجنة، وإن دخلها وخرج منها، فهذا المخلوق الوحيد الذي دخل الجنة وخرج منها، ولا يدخل بعده أحد قط الجنة بعد البعث ويخرج منها، بل من دخلها فإنه يخلد فيها أبداً، وهذا خلافاً للنار، فإنه من دخلها من الكفار والمنافقين خلد فيها أبداً، أما من دخلها من عصاة الموحدين فيخرج منها بشفاعة الشافعين أو بشفاعة أرحم الراحمين سبحانه وتعالى، إذاً النار تختلف عن الجنة، وبين الجنة والنار فروق كثيرة جداً.
منها: أن للجنة ثمانية أبواب، والنار لها سبعة أبواب، ولا تظن أن الباب شيء سهل، فباب الجنة بين مصراعيه كما بين المشرق والمغرب، والقائمون على عتبتي الباب أحدهم في المشرق والآخر في المغرب، ومع هذا يتزاحم فيه الناس حتى يكادوا يختنقون، اللهم اجعلنا منهم، ولكن لا نخنق، فيكفي الزحام الذي نحن فيه.
وقوله: قلت للحسن: يا أبا سعيد! آدم خلق للأرض أم للسماء؟ هذا إشارة إلى أن الجنة التي كان فيها آدم كانت في السماء لا في الأرض.
قال: [فقال: ما هذا يا أبا المبارك! قال: فقال: خلق للأرض، قال: فقلت: أرأيت لو استعصم فلم يأكل من الشجرة؟] أي: ألست تقول لي: إنه خلق للأرض، إذاً فما رأيك لو أن آدم لم يأكل من الشجرة، أيكون للأرض أم للسماء؟ وهذا فرض جدلي، والمطلوب طرحه ورده وعدم الجواب عليه.
[قال: فقلت: أرأيت لو استعصم -أي: استعصم بالله واستعاذ به- فلم يأكل من الشجرة؟ قال: لم يكن له بد من أن يأكل منها؛ لأنه للأرض خلق].
انظر إلى جواب الحسن البصري، يقول له: انس هذا الأمر.
وتذكرون قبل حوالي سبع أو ثمان سنوات عندما قالوا في مجلة العلمانيين المجرمة: إن إبليس ذهب إلى الشيخ علي جاد الحق في مشيخة الأزهر، وقال له: يا مولانا! أنا أريد أن أتوب، وأريد أن أسلم لله، ولا أدري ماذا أعمل؟! أي: أن إبليس ذهب إلى الأزهر من أجل أن يشهر إسلامه! لأن هذا شرط، والآن الأزهر عمل شرطاً جديداً للنصراني الذي يريد أن يسلم، وهو أنه لابد أن يحفظ خمسة أجزاء من القرآن من أجل أن يعطيه الشهادة، يعني: أنتم تكفروه حتى يحفظ خمسة أجزاء؟ فيظل على كفره حتى يحفظ القرآن؟ فأنت إذا قلت اليوم: لابد من خمسة أجزاء، فيمكن أن يأتي غيرك ويقول: عشرة أجزاء، ولو أن نصرانياً طلع من هذا الباب، أو من عند هذا المنبر فيجب علينا أن يدخل في الإسلام أولاً، ثم يذهب فيغتسل، والمسافة قريبة، ويحرم علينا أن نقول له: اغتسل أولاً ثم تعال وانطق بالشهادتين؛ لأنه لو مات في الطريق فمن الذي يتحمل إثمه؟ أيضاً افرض يا أخي! أن ذاكرته ضعيفة، يحفظ كل سنة جزءاً، فهل يظل خمس سنوات كافراً؟ هذا شيء عجيب جداً.
فالمجرمة روز اليوسف قالت: إن إبليس ذهب إلى سيدنا جاد الحق وقال له: يا مولانا! أنا أريد أن أشهر إسلامي وأتوب إلى الله، فقال له سيدنا جاد الحق: اذهب حتى نرى حلاً لمشكلتك! انظروا إلى هذا الكلام الفارغ، إنه استهزاء بالدين.
والجواب على هذه الشبهة: أنه مستحيل أن يطلب إبليس هذا الطلب، ولو من باب إحراج القرآن والسنة؛ فمستحيل أن يخطر ببال إبليس هذا، أو أن يخطر بباله الدخول في الإسلام؛ لأن الله قد قضى عليه في الأزل الكفر حتى نهاية العالم، فإذا كان الله تعالى قال في حياة أبي لهب: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ} [المسد:١ - ٤]، أي: أم جميل بنت حرب كذلك في نفس المصير، فلو كان أبو لهب يريد أن يحرج النبي، أو أن يظهر أن هذا القرآن كذب، وأن الأمر لا يجري على مراد الله وعلمه السابق الأزلي فقال: مادام أن القرآن يقول ذلك، إذاً فأنا أسلمت، لكن حتى ما قالها نفاقاً، فكيف يقولها إبليس؟! إذاً: هذا الذي يحدث على صفحات هذه المجلة الشيطانية ما هو إلا استهزاء بالإسلام، ولذلك نحن لا نتوقف مطلقاً في تكفير قائل هذه المقالات، والمستهزئ بالدين في أحكام أهل العلم كافر بالإجماع.
[قال: فقلت له: أكان له أن يستعصم؟ قال: لا] أي: هل كان ممكن أن يقع منه الاعتصام بالله أم لا؟ قال: مستحيل أن يقع منه ولا يخطر على باله؛ لأن الله كتب ذلك في علمه الأزلي السابق في اللوح المحفوظ فلا يمكن.