وسأل رجل إسماعيل الرياحي المزني عن شيء من الكلام فقال: إني أكره هذا -أنا أكره الخوض في هذه المسائل- بل أنهى عنه كما نهى عنه الشافعي، فلقد سمعت الشافعي يقول: سئل مالك عن الكلام والتوحيد، فقال مالك: محال أن نظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه علم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد.
محال أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم: توضئوا كذا وصلوا كذا، وزكوا كذا وصوموا كذا، ولم يعلمهم الإيمان بالله وتوحيده في الأسماء والصفات وتوحيد الذات وتوحيد الأفعال، محال أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك وعلمهم كيف يتوضئون وكيف يصلون؛ لأن هذه العبادة كلها لا تصح إلا بعد صحة التوحيد وصحة الاعتقاد، فكيف ينطق النبي صلى الله عليه وسلم بالفرع ويترك الأصل؟ ومن خلال هذا الكلام نعلم أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم خاضوا في شيء من ذاته أو صفاته أو أسمائه، إذاً: يسعنا ما وسعهم، فلما لم يتكلموا في توحيد الله عز وجل وفي أسمائه وصفاته وآمنوا بها وأخذوها كما جاءت فإنه يلزمنا ما لزمهم، ويحرم علينا الخوض فيه كما كان يحرم عليهم الخوض فيه.
قال: محال أن نظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه علم أمته الاستنجاء، ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)، فهذا هو أصل الأصول، فالله سبحانه لا يقبل من أحد ديناً إلا بهاتين الشهادتين: لا إله إلا الله، محمد رسول الله:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}[آل عمران:١٩] ولا يسمى العبد مسلماً إلا إذا أتى بهاتين الشهادتين ظاهراً وباطناً عند الله عز وجل، وأما عند الخلق فيأتي بهما ظاهراً، وإن كان هناك نفاق في قلبه فله حكم الإسلام في الدنيا، وأما في الآخرة فإنه عند الله كافر، ومن المخلدين في النار؛ لقول الله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}[النساء:١٤٥]، وما عصم الدم والمال والأعراض حقيقة إلا بهذه الكلمة.