[قوله تعالى عن المؤمنين:(بعضهم أولياء بعض) وقوله: (ما لكم من ولايتهم من شيء)]
المسألة الثالثة عشرة: قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:٧١].
وقال في آية أخرى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}[الأنفال:٧٢]، فكان عند من لا يعرف معناه ينقض بعضه بعضاً.
قال الإمام: أما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}[الأنفال:٧٢]، فالولاية هنا بمعنى: الإرث؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام جعل الأمر في أوله إخاءً بين المهاجرين والأنصار؛ فكان إذا مات أحد المهاجرين ورثه الأنصاري، وإذا مات الأنصاري ورثه المهاجري.
فكان الميراث يوزع على أساس الأخوة في الإيمان، وكان هذا أول الأمر، ثم نسخ في شريعة النبي عليه الصلاة والسلام بأن رد إلى الأنساب بعد ذلك.
وكان في ذلك الوقت من آمن وبقي في مكة ولم يهاجر ليس له حق في الميراث، فلا يأتي شخص مثلاً آمن ثم يبقى في مكة، وله أخ آمن وهاجر، فإذا آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين هذا المهاجري وبين أحد الأنصار فمات المهاجري؛ فليس لأخ المهاجر في مكة إرث، بل إرثه لأخيه الأنصاري، دون من ترك الهجرة وبقي في مكة.
فكان هذا هو الأصل في أول الأمر، حيث ترتب على هذه المؤاخاة حقوق منها: الإرث، أي: ثبوت الإرث بإخوة الإيمان بين المهاجرين وبين الأنصار، وهذا حكم نسخ بقول الله عز وجل:{وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ}[الأحزاب:٦].
فقال:((بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ))، فهذه الآية نسخت قول الله عز وجل:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ}[الأنفال:٧٢]، أي: من إرثهم، {حَتَّى يُهَاجِرُوا}[الأنفال:٧٢]، فانتهت بذلك هذه الشبهة.