صنف أكثر من شخص في خطورة الفكر والغزو الفكري، وأن خطره أعظم من خطورة السيف والدبابة والطائرة، ولقد تنبه العدو مؤخراً إلى أن هذه الشعوب المؤمنة المسلمة وقت النزال والحروب العسكرية يجتمعون وتجتمع كلمتهم، وأن أهل الكفر والغرب لا قبل لهم بأبناء الإسلام حين النزال العسكري، فوضعوا أوزار الحرب وتركوا هذا اللون منها، وبحثوا بعد ذلك عن ألوان أخرى أشد فتكاً بأمة الإسلام من البندقية والطائرة والدبابة، وهذا هو الغزو الفكري، مع أن الغزو العسكري سريع التأثير جداً، وهو يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً في لحظة واحدة، ولا يحتاج إلى وقت ودراسة، بخلاف الغزو الفكري فإنه يحتاج إلى وقت طويل جداً، والعدو أصبر على مراده من أبناء المسلمين.
فالانقلاب العسكري يقلب الدولة رأساً على عقب في لحظة واحدة، فبعد أن كانت علمانية تصبح مسلمة، وبعد أن كانت مسلمة تصبح علمانية في لحظة واحدة، فالتكتيك العسكري لا يحتاج إلى وقت، وإنما التكتيك الفكري هو الذي يحتاج إلى وقت.
ولو ناقشت رجلاً الآن في أي مسألة شرعية يقول لك: أنا منذ (٦٠) سنة أصلي وأصوم فكيف تأتي وتصحح لي قولاً قد أخذته عن آبائي وأجدادي؟ وهو في الحقيقة لم يأخذه عن آبائه وأجداده، ولكنه شرب السم في العسل، فهو يتصور أنه هنيء وهو رديء، ويتصور أنه حق وهو باطل، ويتصور أنه خير وهو شر، ولكنه تربى على أنه هنيء وخير وحق، فيصعب جداً زحزحته عما يعتقده إلا مع الصبر عليه وطول الوقت، أو فناء هذه الأجيال ونشوء أجيال أخرى تتربى على غير ما تربى عليه الآباء والأمهات.
فالغزو الفكري طويل الأمد، وعظيم التأثير؛ بخلاف الغزو الاقتصادي أو الغزو العسكري أو غير ذلك من الغزو السريع المؤقت.