قال: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احتج آدم وموسى، فقال موسى لآدم: أنت الذي أدخلت ذريتك النار؟ قال آدم لموسى: أصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأنزل عليك التوراة، فهل وجدت أني أهبط؟ -أي: هل وجدت هذا في الكتاب؟ - قال: نعم، فحجه آدم)]، أي: غلبه بالحجة.
[وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحاج آدم وموسى)]، أي: كانت بينهما مناظرة، والمناظرة أيها الإخوة! تجوز حتى بين الابن وأبيه؛ لأن موسى ابن وآدم أب، ومع هذا فموسى هو الذي طلب آدم للحجاج والمناظرة، والمناظرة بين الولد ووالده ليست من سوء الأدب؛ لأن بعض الناس يظن أن الولد إذا أراد تبيين الحق لأبيه قالوا: كيف يتكلم مع أبيه بهذه الطريقة؟ إن إبراهيم عليه السلام ناقش والده، ونوح عليه السلام ناقش ولده.
فالمناظرة بين الوالد وولده جائزة إذا كان المراد منها الوصول إلى الحق، وإنما يعاب على من يناقش والده التعدي في الأدب، واختيار الألفاظ غير اللائقة بمقام الأبوة، أما المناظرة لأجل الوصول إلى الحق ومرضاة الرب فهذا أمر محمود في الشرع، والطريقة نفسها التي تكون أحياناً مذمومة وأحياناً محمودة حسب أدب الولد.
وكذلك المناظرة بين العبد والسيد، وبين الزوجة وزوجها، وبالتالي فلا بأس أن تذكر المرأة زوجها بالله، وأن تشير عليه بأمر ربما خفي عليه، كما أشارت أم سلمة رضي الله عنها على النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، وذلك لما خرج عليهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال:(اذبحوا الهدي وحلوا من إحرامكم، فلم يفعلوا، فدخل مغموماً خيمته، فلما علمت أم سلمة بذلك قالت: يا رسول الله! اخرج فاذبح الهدي واحلق، وإذا رأوك قد فعلت ذلك فعلوا، فلما خرج وفعل فعلوا رضي الله عنهم)، فهذه من باب المشورة.
لكن لا يأتي شخص الآن على خط مستقيم ويقول لامرأته: إن رأيك عندي استشاري، وأنت ليس لك قيمة عندي، أنت امرأة، أنت أنثى، حتى ولو وافق رأيك القرآن والسنة فكذلك أنت امرأة! ماذا يعني بهذا الكلام؟ إن الحق يا أخي! يقبل من كل من جاء به وإن كان يهودياً، والسلف يقولون: الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التمسها وأخذها، وهذه ليست هي القضية، وإنما القضية في هذا الكلام الذي نسمعه أحق أم باطل؟ موافق أم مخالف؟ مردود أم مقبول؟ فهذه هي القضية وهي الفيصل، أما أن تقول: ما دام أنك نصراني فلن آخذ منك شيئاً، فلا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لـ أبي هريرة:(صدقك وهو كذوب)، أي: أن كلامه صدق، فهل يرد الكلام الصدق؟ ولو كان يرد الصدق -وإن أتى من إبليس- لما أقر النبي عليه الصلاة والسلام إبليس على أن نصح أبا هريرة أن يقرأ آية الكرسي عند نومه، فإذا قرأها فلا يزال عليه من الله حافظ حتى يصبح، وإنما أقر النبي إبليس في هذا لأنه صدق، وليس له مصلحة في أن يكذب في هذا الموطن، فقال:(يا أبا هريرة! صدقك وهو كذوب، أتدري من يخاطبك منذ ثلاث؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك شيطان).
فالحق يؤخذ من كل من أتى به، أما أن تقف مع امرأتك على خط مستقيم فلا تقبل لها قولاً وتنهرها وتسفه أحلامها وغير ذلك، فليس هذا ديناً، وبعض الناس يتصور أن هذا باب من أبواب الشهامة والرجولة؛ أنه دائماً يضربها ويرد أقوالها، ويقول لها: وإن وافقك الكتاب والسنة.
يا أخي! إنك جبار عنيد، والحق يؤخذ منها إذا نطقت به.