[التحذير من مفارقة الجماعة والخروج عن طاعة الإمام]
قال: [عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من فارق الجماعة، وخرج عن الطاعة فمات، فميتته جاهلية)].
إذاً: الخروج عن الطاعة المقصود به الخروج عن طاعة ولي الأمر، وولي الأمر إما أن يكون من العلماء أو من الأمراء؛ لأن أولياء الأمور بإجماع أهل السنة هم العلماء والأمراء، والأمراء بمعنى الخليفة الأكبر ومن ولاه؛ لأن الأصل أن جماعة المسلمين هي جماعة واحدة، وسواء شرقت أو غربت فهي جماعة واحدة، فلا يكون عليها إلا خليفة واحد، وهذا الخليفة لا بد أنه يولي ولاة وأمراء وسلاطين على الأمصار والبلدان، فطاعة هؤلاء الولاة والأمراء والسلاطين الذين ولاهم الخليفة إنما هي من طاعة الخليفة، وطاعة الخليفة من طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله عز وجل، فانظر إلى تسلسل هذه الطاعة، وأنها في الأصل طاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وتنزل هذه الطاعة على الأمراء الموجودين الآن.
والجماعات الموجودة الآن ليست فرقاً، ومن قال بأنها من الفرق فقد فقد عقله، ولا يدري ما يخرج من رأسه، فهي ليست فرقاً، كما أنه ليست واحدة منها هي الجماعة الأم، أو هي الجماعة التي يجب أن تبايع، بل لك أن تنخرط في أي منها، بشرط أن يكون الولاء لله تعالى ورسوله، وليس لهذه الجماعة، وإن كان الذي يترجح لدي من أقوال أهل العلم في باب الجماعة أن ترك الجماعة بأسرها أمر أفضل من الأول؛ لأن الانخراط في سلك هذه الجماعات يضعف الولاء لله عز وجل، ويجعل الشخص يعادي إخوانه من الجماعات الأخرى، وينظر إليها شزراً ربما أكثر من النظر إلى اليهود والنصارى، بل إذا سألته عن حكم المعاملة مع اليهود والنصارى أجابك بكل ثقة أنه يتعامل معهم دائماً من باب أن الله تعالى قال ذلك، ولكنه لا يقبل أن يتعامل مع أخيه المؤمن من جماعة أخرى؛ لأنه تربى في داخل جماعته على العداء والبغض لكل من لم يكن في جماعته، ولا يمكن أن يكون هذا ديناً.
ونحن نعتقد أن هذه الجماعات سلاح ذو حدين؛ لأن كل جماعة تقف على ثغر من ثغور الإسلام، وربما وجد فيها فساد عظيم، وقد تأمر الجماعة بالصلاة والمحافظة عليها، وهذا وجه حسن، ولكن الوجه القبيح الذي ربما لا يصمد أمامه الوجه الحسن هو أن هذه الجماعات تعادي بعضها البعض، وهذا كلام عظيم جداً.
ولذلك على الواحد منا أن يدعو ربه حتى في نومه أن يؤلف بين هذه الجماعات جميعاً تحت راية واحدة، وتحت مذهب واحد، وهو مذهب السلف الصالح؛ لأنه المذهب الصحيح، وهو مراد الله عز وجل ومراد رسوله عليه الصلاة والسلام من سنته، وأما المناهج الأخرى فربما فيها من الخلل على قدر ما فيها من الصواب، بل وربما يكون خللها أعظم من صوابها، ولذلك أنا أعتقد اعتقاداً جازماً منذ أواخر السبعينات أن الانضمام بأي جماعة من هذه الجماعات إنما هو تضييع للوقت والجهد، بينما الانشغال بطلب العلم على يد أناس لا ولاء لهم ولا انتماء لهم إلا لله ورسوله وأصحابه الكرام، فهذا هو المنهج السديد الذي أدعو إليه فيما يزيد عن عشرين عاماً إلى يومنا هذا.
وأسأل الله تعالى أن يوفقني إلى ذلك.
قال: [(من فارق الجماعة وخرج عن الطاعة فمات فميتته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، لا يحاشي مؤمناً لإيمانه -أي: لا يترك مؤمناً لإيمانه- ولا يفي لذي عهد بعهده؛ فليس من أمتي، ومن قتل تحت راية عمية يغضب للعصبية أو يقاتل للعصبية، فقتلته جاهلية)].