قال:[فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: خلق الله عز وجل الخلق وكانوا قبضتين، فقال للتي عن يمينه: ادخلوا الجنة بسلام، وقال للتي في يده الأخرى: ادخلوا النار ولا أبالي].
ومعنى هذا الكلام أن الله تعالى لما أخرجهم من صلب آبائهم جعلهم فريقين: فريقاً في يده اليمنى، وفريقاً في يده الأخرى، وقال للذين في يده اليمنى: أنتم من أهل الجنة، وقال للذين في يده الأخرى: أنتم من أهل النار، وهذا يدل على علم الله الأزلي السابق.
والقدرية هم الذين أنكروا العلم الأزلي لله عز وجل، فقول أبي بكر هنا: إن الله تعالى قسم خلقه إلى قسمين: أحدهما في النار والآخر في الجنة؛ ليدل على أن كل شيء بقدر، وأن كل شيء كان معلوماً لله عز وجل قبل أن يكون، وفي هذا أعظم رد على القدرية.
[ويقول:(قلت: يا رسول الله! أنعمل على عمل قد فرغ منه؟ أم على أمر مؤتنف؟)].
يعني: هذا الذي نحن نعمله يا رسول الله! نحن مطلوب منا أن نعمله، أم أنه أمر قد فرغ منه؟ يعني: أن الله عرفه وكتبه وقدره علينا، أم أمر مؤتنف لا يعلمه الله إلا بعد أن يقع منا، فإذا أوقعناه كتب الله عز وجل لنا أو علينا.
[فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(بل على أمر قد فرغ منه، قلت: يا رسول الله! إذا كان هذا الأمر قد فرغ منه ففيما العمل إذاً؟ -وهذا السؤال سأله أيضاً عمر رضي الله عنه وغير واحد من الصحابة- قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق، فأما من خلق للجنة فييسر لعمل أهل الجنة، وأما من خلق للنار فييسر لعمل أهل النار).
ولعل شخصاً يقول: ما دام الأمر قد فرغ منه فأنا لن أعمل، فنقول له: أنت الذي حكمت على نفسك بأنك من أهل النار، فالذي يجعلك قدرت أنك من قبضة أهل النار يجعلك تقدر أنك من قبضة أهل الجنة، فاعمل ولابد، فإذا كان خلق للجنة بعلم الله الأزلي السابق فسييسر لعمل أهل الجنة، والأخرى بالأخرى.