[فتنة المرجئة أشد على الأمة من فتنة بعض فرق الخوارج]
قال: [وجاء عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: لفتنتهم عندي -أي: فتنة المرجئة عندي- أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة]، والأزارقة هم قوم من الخوارج، وهم أتباع نافع بن الأزرق الذي قُتل في زمن عبد الله بن الزبير وقد خرج عليه.
[وقال الزهري: ما ابتدع في الإسلام بدعة أضر على أهله من هذه، أي: الإرجاء.
وعن الأوزاعي قال: كان يحيى وقتادة يقولان: ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم]، أي: عند أهل السنة، [على هذه الأمة من الإرجاء].
[وعن جعفر الأحمر قال: قال منصور بن المعتمر في شيء: لا أقول كما قالت المرجئة الضالة المبتدعة].
[وقال حجاج سمعت شريكاً وذكر المرجئة، فقال: هم أخبث قوم، حسبك بالرافضة خبثاً، ولكن المرجئة يكذبون على الله عز وجل].
[وقال عبد الله بن حبيب يروي عن أمه قالت: سمعت سعيد بن جبير: وذكر عنده المرجئة فقال: مرجئة هذه الأمة كاليهود]؛ لأن اليهود ضالون كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٦ - ٧]، قال: (المغضوب عليهم هم اليهود، والنصارى ضالون).
قال: والله تعالى غضب على اليهود؛ لأنهم عرفوا الحق ولم يعملوا به، والنصارى عملوا بغير ما علموا، وهذا نوع من أنواع الضلال، بل هو أعظم أنواع الضلال أن يتقرب المرء إلى الله عز وجل بهواه بغير نص أو أثر.
فالله تعالى غضب على اليهود؛ لأنهم علموا الحق فلم يتبعوه، وكذلك المرجئة علموا أن دين الله تعالى بعد القول مبني على العمل، وهم يزعمون أن العمل لا علاقة له بالإيمان، وليس من الإيمان في شيء، فإيمان من قال: لا إله إلا الله وإن ترك جميع الأوامر وارتكب جميع النواهي كإيمان جبريل وميكائيل، فهذا من حيث الضلال ضلال عظيم جداً؛ ولذلك شبههم علماء السنة باليهود.
[وقال المغيرة بن عتيبة عن سعيد بن جبير قال: المرجئة يهود القبلة]، يعني: هم كاليهود في صفاتهم، غير أنهم لا يزالون من أهل القبلة.
والعلماء يفرقون بين مصطلح أهل السنة وأهل القبلة، فالرجل من أهل السنة أي: أنه عامل بأصول الإيمان وفروعه، معتقد لذلك، داع إليه.
أما من كان من أهل القبلة وليس من أهل السنة فهذا الذي هو قائم على بدعة غير مكفرة، فهو لا يزال من أهل الإسلام ومن أهل القبلة؛ لكن هيهات أن يكون من أهل السنة.
[وقال سعيد بن جبير: المرجئة مثل الصابئين]، الصابئون في زمان نبي من الأنبياء، هم الذين زاغوا ومالوا عن طريق الحق، وسلكوا طريق الزيغ والضلال.
[وعن حذيفة قال: إني لأعلم أهل ذينك الدينين في النار]، أي: أصحاب بدعتين في النار، كما قال عليه الصلاة والسلام، قال: [قوم يقولون: إن الإيمان كلام]، يعني: لو قال المرء: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهذا هو منتهى وكمال وتمام الإيمان.
قال: [وقوم يقولون: ما بال الصلوات الخمس؟] يعني: من أين أتيتم بأن الصلوات خمس؟ [إنما هما صلاتان]، صلاة في أول النهار وصلاة في آخر النهار، وهاتان الصلاتان كل صلاة منهما ركعتان فحسب، كما في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:٧٨]، فاستدل بالقرآن على أن الصلاة صلاة في أول النهار وفي آخره.
[وعن عطاء بن السائب قال: ذكر سعيد بن جبير المرجئة فضرب لهم مثلاً، فقال: مثلهم كمثل الصابئين أتوا اليهود فقالوا لليهود: ما دينكم؟ قالوا: اليهودية، قالوا: فمن نبيكم؟ قالوا: موسى، قالوا: فماذا لمن تبعكم؟ قالوا: الجنة، ثم أتوا النصارى فقالوا: من أنتم، وما دينكم؟ قالوا: نحن النصارى وديننا النصرانية، قالوا: فما كتابكم؟ قالوا: الإنجيل، قالوا: فمن نبيكم؟ قالوا: عيسى، قال: فماذا لمن تبعكم؟ قالوا: الجنة، قالوا: فنحن بين ذين]، يعني: لا نحن يهود ولا نحن نصارى، نحن بينكما.
كيف يدخل الجنة رجل لا يرضى قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام باليهودية ولا بالنصرانية، وإنما اختار لنفسه ديناً وسطاً بين هذين الدينين؟ هذا الدين وسط بين الملتين وبين الدينين، ليس هو دين السماء ولا شريعة السماء ولا تابعاً لنبي، ولا عنده عهد موثق وميثاق غليظ بدخول الجنة، فكيف لرجل يختار لنفسه ديناً وهوى ومذهباً لم يكن به أدلة من السماء؟ [وقال إبراهيم: لأنا لفتنة المرجئة أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة].