[بيان أن المرء يجالس ويألف من كان على شاكلته]
قال: [وقال عبد الله بن مسعود: إنما يماشي الرجل ويصاحب من يحبه، ومن هو مثله].
وفي الحديث: و (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).
وقال الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فإن المقارن بالمقارن يقتدي وقال: [اعتبروا الرجل بمن يصاحب، فإنما يصاحب من هو مثله.
قال شعبة: وجدته مكتوباً عندي فإنما يصاحب الرجل من يحب].
أي: وجد في كتاب مكتوباً عنده: إنما يصاحب الرجل من يحب.
[وقال ابن مسعود: اعتبروا الناس بأخدانهم -أي: برفقائهم وأقرانهم-؛ فإن الرجل لا يخادن إلا من يعجبه نحوه].
أي: من يعجبه طريقه ومنهجه ومسلكه.
وقال: [اعتبروا الناس بأخدانهم، المسلم يتبع المسلم، والفاجر يتبع الفاجر].
قال: وعن المدائني قال: قيل للبيد -وهو لبيد بن ربيعة العامري الشاعر الكبير- بعد ما أسلم: مالك لا تقول الشعر؟ -لأن لبيداً لما أسلم قلل جداً من الشعر- فقال: إن في البقرة وآل عمران شغلاً عن الشعر، إلا أني قد قلت بيتاً واحداً -أي بعد إسلامه-: ما عاتب المرء الكريم كنفسه والمرء يصلحه الجليس الصالح] والنبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب لذلك مثلاً فقال: (مثل الجليس الصلح وجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير)، مع أن نافخ الكير هذا ربما يكون في باب المعاصي، لكن الحديث محمول على جميع المعاصي والأهواء، (فأما الجليس الصالح -وهو حامل المسك- فإما أن تبتاع منه -أي: تشتري منه المسك والطيب- وإما أن تجد منه ريحاً طيباً، وأما جليس السوء -هو نافخ الكير- فإما أن يحرق ثيابك)، فإنك لو جلست بجوار حداد ينفخ الكير فإنه لابد من شظايا تقع على ملابسك فتحرقها.
قال: [قال محمد بن عبيد الله الغلابي: كان يقال: يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة].
أي: أن أهل الأهواء عندهم قدرة فائقة على كتم عندهم من فكر وضلال وهوى، لكن الذي يفضحهم هو التآلف والصحبة، فتجد الواحد منهم يميل إلى إلفه وشكله، فإذا كان فلان يماشي فلاناً فلابد أن هناك شيئاً لازماً، ووحدة فكر بينهم؛ لأن الألفة والصحبة دائماً تفضح ما وراءها.
قال: [وقال قتادة: إنا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس إلا مثله وشكله، فصاحبوا الصالحين من عباد الله؛ لعلكم أن تكونوا معهم أو مثلهم].
قال: [وقال مالك بن دينار: الناس أجناس كأجناس الطير، الحمام مع الحمام، والغرب مع الغراب، والبط مع البط، الصعو مع الصعو، وكل إنسان مع شكله].
والصعو: طائر.
قال: [وسمعت مالك بن دينار يقول: من خلط خلط له، ومن صفى صفي له، وأقسم بالله لئن صفيتم ليصفين لكم].
أي: لئن أخلصتم في اتباع السنة فإن الله تعالى يوفقكم إلى ذلك.
قال: [قال الأوزاعي: يعرف الرجل في ثلاثة مواطن: بألفته، ويعرف في مجلسه، ويعرف في منطقه].
فهذه ثلاثة أمور تبين من هذا الرجل.
قال: [قال أبو حاتم: وقدم موسى بن عقبة الصوري بغداد فذكر لـ أحمد بن حنبل، فقال: انظروا على من نزل، وإلى من يأوي].
فالنبي عليه الصلاة والسلام لما نزل المدينة نزل على بني النجار، وبنو النجار هم أفضل الأنصار، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل على خيرة الأنصار، ولم ينزل على أي واحد منهم، وإنما نزل في بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
قال: [فقد فاض البحر العميق، فاستغني عن هذا التمييز والنظر والتدقيق، وفقدت تلك الأعيان، وصارت الزندقة يتفكه بها الأحداث والشبان، ظاهرة في السوقة والعوام، وصار التعريض تصريحاً، والتمريض تصحيحاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، مسكنا الله وإياكم بعروته الوثقى، وأعاذنا وإياكم من مضلات الهوى، ولا جعلنا ممن باع آخرته بالدنيا؛ إنه سميع قريب].