قال: [وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[البقرة:٢٥٣]]، إذاً: القتال رغم أنه منهي عنه، وقد جاء فيه الوعيد الشديد إلا أنه ما وقع إلا بإرادة الله عز وجل:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا}[البقرة:٢٥٣] ولكن القتال وقع؛ ولذلك قال:{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[البقرة:٢٥٣] أي: أن القتال وقع بإرادة الله، بمعنى: أن الله أذن في وجوده، وأذن في خلق القتال بين البشر مع أنه قد نهى عنه.
إذاً: الضلال يقع بمشيئة الله، والهداية تقع بمشيئة الله، إذاً: الذي يملك الهداية ويملك الضلال هو الله عز وجل، فهو الذي يهدي وهو الذي يضل، لكن لا تقل: إذا كان الأمر كذلك ففيم العمل إذاً؟ هل أنت متأكد أنك من أهل الضلال عند الله؟ أو هل أنت متأكد أنك من أهل الهداية؟ إذا كنت تعلم أن الأعمال بالخواتيم، وأنت لا تدري بما يختم لك؛ بالسعادة أو الشقاء، بالجنة أو النار، بعمل صالح أو طالح، أنت لا تعلم عن نفسك شيئاً، فإذا كان الأمر كذلك فلا أقل من أن تكون كالمعصوم صلى الله عليه وسلم الذي علم ذلك بفطرته وبوحي السماء، ومع هذا عصمه الله عز وجل من الضلال، وكل هذه المؤهلات وغيرها ما جعلته ينثني عن أن يذل ويخضع لربه، وكان دائماً يقول:(اللهم يا مثبت القلوب! ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب! صرف قلبي إلى طاعتك) مع أنه معصوم من الضلال عليه الصلاة والسلام، ولكنه كان يقول ذلك إكثاراً لحسناته، وإثقالاً لميزانه، وتعليماً لأمته، أن يعلموا أنهم بين يدي الله عز وجل.
تعجبت من قوله إحدى نسائه وقالت:(أتقول هذا وأنت رسول الله؟! قال: أما علمت أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) يجعل من يشاء كافراً ويجعل من يشاء مؤمناً، يجعل من يشاء سعيداً، ويجعل ومن يشاء شقياً، يجعل من يشاء في النار، ويجعل من يشاء في الجنة، فإذا كانت هذه بيد الله عز وجل وأن المرء لا يدري بما يختم له، فينبغي أن يتعلق المرء بالله عز وجل، وأن يعلق قلبه بالله تعالى؛ لأنه هو الذي يوفقه للطاعة، وهو الذي يضله عن سواء الصراط، ويهديه إلى سواء الجحيم؛ فلما كان ذلك كله بيد الله فينبغي للعبد أن يتعلق بربه الذي يملك الهداية والضلال.