[دائرة الإيمان ودائرة الإسلام]
[وعن محمد بن علي -وهو المعروف بـ ابن الحنفية - قال في قوله عليه الصلاة والسلام: لا يزني ولا يسرق ولا يشرب قال: إذا أتى شيئاً من ذلك]، يعني: إذا قارف المؤمن ذنباً من هذه الذنوب، [نزع منه الإيمان، فإن تاب تاب الله عز وجل عليه].
فهذه كبيرة من الكبائر، والكبيرة إذا تاب صاحبها تاب الله عز وجل عليه، وإذا لم يتب منها فهو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وإن أقيم عليه الحد فالحدود كفارات لأهلها.
[قال ابن الحنفية: هذا الإسلام، وأدار إدارة واسعة.
وأدار في جوفها إدارة صغيرة وقال: هذا الإيمان]، يعني: في داخل هذه الدائرة الكبيرة التي سماها الإسلام، وقال: هذا الإيمان، فإذا قارف العبد ذنباً خرج من هذا، أي: خرج من هذه الدائرة أو من هذا الإيمان إلى الدائرة الكبيرة وهي الإسلام.
وهذا كلام جميل جداً.
وكلام محمد بن الحنفية والزهري وغيرهما من أهل العلم هو الذي يحل إشكالية الأحاديث التي ظاهرها الكفر؛ لأنه ليس مؤمناً، وإذا لم يكن مؤمناً لا بد أن يكون كافراً، وهذا فهم الخوارج، وأما فهم أهل السنة ففيه معادلة، فهم يقولون: كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً.
فهناك إيمان عام وإيمان خاص، فالإيمان العام هو أصل الإيمان الذي لا يدخل المرء الإسلام إلا به.
والإيمان درجتان: الأولى: أصل الإيمان.
والثانية: كمال الإيمان، ومنه الكمال الواجب والكمال المستحب.
فنفي الإيمان المتعلق بالذنوب والمعاصي متعلق بالكمال، إما الكمال الواجب أو الكمال المستحب.
وأما نفي الإيمان المتعلق بأصل الإيمان الذي هو الإيمان الضروري الذي لا يثبت إسلام المرء إلا به؛ فلا بد أن يكون كفراً؛ لأنه نزع لأصل الإيمان، وأما هذه الذنوب والمعاصي هنا فإنها متعلقة بكمال الإيمان وتمامه الذي يأثم المرء بتركه.
ولما أدار في وسطها أخرى وقال: هذا الإيمان، فالإيمان أخص من الإسلام، قال: فقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: لا يزني حين يزني وهو مؤمن)، إذا أتى شيئاً من ذلك خرج من الإيمان إلى الإسلام، يعني: أنه يخرج من الإيمان الخاص إلى الإسلام العام، ويبقى معه أصل الإيمان.
قال: فإذا تاب تاب الله عز وجل عليه ورجع إلى الإيمان.
والمقصود من قوله: (رجع إلى الإيمان) أي: الإيمان الثاني.