[إثبات عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وأبي هريرة وغيرهم للقدر]
[وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: من كان يزعم أن مع الله قاضياً أو رازقاً، أو يملك لنفسه ضراً أو نفعاً؛ أخرس الله لسانه، وجعل صلواته هباء، وقطع به الأسباب، وأكبه على وجهه في النار.
وقال: إن الله عز وجل خلق الخلق وأخذ منهم الميثاق وكان عرشه على الماء].
[وقال أبو سعيد الخدري رحمه الله: لو أن رجلاً صام النهار وقام الليل ثم كذَّب بشيء من القدر؛ لأكبه الله في جهنم رأسه أسفله] يعني: يكبه في جهنم بحيث يكون رأسه إلى الأسفل، اللهم سلم يا رب! [وعن أبي الدرداء قال: أي رب! لأزنين، أي رب! لأسرقن، أي رب! لأكفرن.
وقال أبو هريرة: أي رب! لأسرقن ولأزنين؛ فقيل: يا أبا هريرة! أتخاف؟ قال: آمنت بمحرف القلوب].
أي: آمنت أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، يجعل العفيف خبيث النفس، ويجعل الخبيث طيب النفس؛ كل ذلك بقدر، الإنسان يجاهد نفسه ألا يزني فيزني، ويجاهد ألا يسرق فيسرق، وغير ذلك من أعمال الطاعة وأعمال المعصية، ويذهب إنسان ليسرق؛ فيصرفه الله، ويحاول إنسان ألا يقع في المعصية فيقع في المعصية، فإذا كانت الطاعة والمعصية بيد الله عز وجل، وأن الله تعالى هو الذي يقدرها لعباده وعلى عباده؛ فينبغي أن يكون الملجأ والملاذ إلى الله عز وجل.
وإذا كان الله تعالى هو الذي يملك الجنة والنار، والثواب والعقاب، والخير والشر، والطاعة والمعصية؛ فينبغي ألا يكف المرء في قيامه، ولا في نومه وحركاته وسكناته أن يتضرع إلى الله عز وجل أن يعصمه من الذنوب، وأن يوفقه دائماً للطاعات، فنؤمن حقيقة أن كل شيء بقدر، وأن الله تعالى هو الذي قدر الأمور كلها، وقدر لها أسبابها.
[وقال عمرو بن دينار: سمعت عبد الله بن الزبير يقول في خطبته: إن الله هو الهادي والفاتن].
أي: أن الله تعالى هو الذي يهدي العباد وهو الذي يفتنهم، فالهداية مخلوقة خلقها الله، والفتنة مخلوقة خلقها الله.
[وعن طاوس قال: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر، حتى العجز والنشاط].
أي: الإنسان لما يشعر بأن عنده فتوراً، ولا يقدر أن يقضي مصالحه وهو يسير بالعافية، فهذا مكتوب في اللوح المحفوظ، وهذا مخلوق في العبد، بسبب أو بغير سبب، والنشاط والقوة بسبب أو بغير سبب، والذي خلقها وركبها فيك هو الله عز وجل.
والعجز في ظاهر النص هو الضعف أو الخمول، والخمول هذا مخلوق، والله تعالى هو الذي خلقه وركبه فيك، ومهما اتخذت من أسباب فلن تنجو من هذا إلا بأن يكون الله تعالى كتب لك الانتقال من العجز إلى النشاط.
واحد يقول: أنا لم أنم طوال الليل، ولما صليت الفجر ورحت أنام لم يأتني النوم، وأحسست بمنتهى القوة والنشاط فأنا مستعد أن أواصل اليوم بدون نوم؛ فالنشاط هذا مخلوق، مع أنه مناف لأسباب النشاط ومنها: أن تنام جيداً، وأن تأكل جيداً، وأن تمارس الرياضة جيداً.
وليس معنى ذلك أن يقول شخص: أنا سأترك الأكل والشرب، وسأرى هل النشاط سيأتي أو لا؟ لا، ليس بلازم، وإنما أردنا أن نبين أن العجز والكيس مخلوقان، فالذي خلقهما هو الله عز وجل، فالله هو الذي خلق الطاعة والمعصية والإيمان والكفر، وما من شيء إلا وخالقه الله عز وجل إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، طاعة أو معصية إيماناً أو كفراً ثواباً أو عقاباً جنة أو ناراً ملكاً أو نبياً أو شيطاناً؛ كل ذلك فالله تعالى هو الذي خلقه وأراده وقدره، وأما الخير فأراده الله تعالى إرادة شرعية دينية، وأحبه ورضيه وأمر به، والشر أراده إرادة كونية قدرية، بمعنى: أنه لا يكون في الكون إلا ما أراد الله عز وجل، لكن هذا محل سخط الله عز وجل، وتحذيره ووعيده وعقابه، ويقذف أهله في النار ولا يبالي غير ظالم لهم، فلا بد أن تعتقد صحة ما قلنا؛ لأن هذا هو الإيمان بالقدر.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد.