وقال صاحب المنازل وعقب عليه كذلك ابن القيم عليه رحمة الله: الرجاء أضعف منازل المريد.
وفي كلامه نظر، بل الرجاء والخوف على الوجه المذكور من أشرف منازل المريد.
أي: السائر إلى الله عز وجل.
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء).
وعند مسلم من حديث جابر قال: سمعته عليه الصلاة والسلام يقول قبل موته بثلاث: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه).
ولهذا قيل: إن العبد ينبغي أن يكون رجاؤه في مرضه أرجح من خوفه، لأنه مودع، ولأن العبد في المرض لا يرجى منه العمل، إذ إن عمله في هذه الحال قليل جداً، ولذلك ينبغي أن يزداد رجاءً.
والعلماء يقولون: في حال الصحة ينبغي أن يزيد جانب الخوف على جانب الرجاء زيادة طفيفة تحمله على العمل، أما إذا كان مريضاً فيستحب أن يزيد رجاؤه على خوفه؛ لأن العمل منه غير مرجو والحالة هذه، وأنه قادم على الله عز وجل، فينبغي أن يحسن الظن بربه.
وقال بعضهم: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق.
أي: يقول لك أنا لا أصلي ولا أصوم ولا أزكي ولا أحج، ولكن قلبي مفعم بالإيمان! وأنت إذا كنت تصلي فأنا أحب الله أكثر منك، ما هذا الحب؟! الحب الحقيقي هو الذي يحملنا على العمل، وأنت لو أحببت عبداً عملت كل ما يمكن القيام به مما يحبه المحبوب، والله عز وجل فوق كل محبوب، فيجب أن يتقرب إليه من أحبه بكل ما يحبه سبحانه وتعالى.
والله تعالى إنما أخبرنا بما يحب في كتابه وفي سنة نبيه، كما أخبرنا بما يكره في كتابه وفي سنة نبيه، فمراد الله تعالى من العباد محدود، أي: مراد العباد من العباد لا حدود له، أما مراد الله تعالى منا فمحدود بالأوامر والنواهي الواردة في الكتاب والسنة، فإذا فعلت الأمر واجتنبت النهي فقد حققت المراد لله عز وجل، وأتيت بالعبادة على أكلمها وأتمها.