للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث أبي بكر (الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل)]

وقد ذكر الإمام هنا طائفة من النصوص التي تدل على أن بعض الذنوب التي يرتكبها العبد يكفر بها، وأثبت أن الكفر الثابت فيها ليس كفراً اعتقادياً، وإنما هو كفر عملي أصغر، كما في حديث [أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل) يعني: أن الشرك يسرع إلى قلوبكم؛ لأنه شرك خفي، وهو الرياء، فسمى النبي عليه الصلاة والسلام الرياء هنا شركاً.

ومفاد النصوص التي وردت في هذا الباب أن من راءى بعمله فقد حبط عمله، ولكن لم تقض النصوص بكفره.

وقد ذكر ابن الجوزي في باب التحذير من الرياء أن رجلاً كان يصلي، فدخل عليه إنسان آخر فبعد أن كان يسرع في صلاته ولا يعبأ بها ولا يقيم صلبه ولا يخشع أطالها، وأطال فيها الركوع والسجود وغير ذلك، فقال الداخل: ما أحسن صلاة فلان! فالتفت إليه هذا المصلي وقال له: ومع هذا فإني صائم، يعني: أضاف عبادة أخرى إلى عبادته التي راءى بها؛ ليثبت أنه من أهل الصلاح لمن نظر إليه.

وقد اختلف العلماء في صحة عمل المرائي إذا بدأه بالرياء أو ختمه به، كأن تكون عادته أنه لا يصلي الليل، فإذا زاره إنسان أو صديق أو عزيز عليه نهض لقيام الليل وقراءة القرآن، وأطال ذلك وحسنه حتى يقول الزائر: إن هذا الإنسان من قوام الليل، مع أن الباعث له على العمل الرياء، أو أنه يصلي قيام الليل وهذا من عادته، ولكنه يصلي على نحو معين وكيفية معينة غير هذه الكيفية، فإذا زاره أحد غير الكيفية إلى الأحسن؛ رجاء المدح والثناء، ولكن هذا كان في أثناء الصلاة أو في آخرها، فمن اعتبر أن الأعمال بالخواتيم أبطل هذه الصلاة، ومن اعتبر أن الأعمال بمقاصدها الأولى قال: لا تبطل العبادة إلا إذا دخل فيها لغير الله ابتداء، والمسألة محل بحث طويل، وقد تعرض لها الحافظ ابن رجب في شرح حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، في كتاب جامع العلوم والحكم، فمن شاء فليرجع إليه؛ ليقف على كثير من النصوص التي تحذر من الرياء في القول والعمل.

قال: [قال عليه الصلاة والسلام: (الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل أو دبيب الذر)].

والذر: هو النمل، [(قال أبو بكر: يا رسول الله! أيكون شركاً لا يجعل مع الله إلهاً يعبد من دونه؟) يعني: هل هناك شرك غير الشرك الذي هو إشراك إله آخر الله تعالى في العبادة؟ [(فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك يا أبا بكر!)].

وهذه كلمة كانت تقولها العرب لا يقصدون بها الدعاء، وإلا لو قصد النبي صلى الله عليه وسلم بها الدعاء لمات أبو بكر فوراً، لكنه لم يقصد الدعاء، وهذا كما قال لـ أبي ذر: (ثكلتك أمك يا أبا ذر!)، فهذا من الكلام الدائر على ألسنة العرب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أفلح وأبيه إن صدق).

فهو لا يقصد به اليمين، أو أنه قبل ورود النهي في ذلك.

قال: [(وقال يا صديق! الشرك أخفى من دبيب النمل أو دبيب الذر، ولكني سأدلك على ما يذهب صغار الشرك وكباره -أو قال: صغير الشرك وكبيره- تقول عند الصبح: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم) أي: أن يستعيذ بالله مما وقع منه من شرك وهو يعلم، ومما وقع منه من شرك وهو لا يعلم.