قال المصنف رحمه الله تعالى:[وتخوف العقلاء من المؤمنين على أنفسهم سلب الإيمان].
أي: هكذا أهل الإيمان يتخوفون على أنفسهم من أن يسلبوا الإيمان.
قال:[وخوفهم النفاق على من أمن ذلك على نفسه].
أي: خافوا أن يكون الذي أمن مكر الله عز وجل، وأمن عذاب الله عز وجل، أن يؤدي به ذلك إلى النفاق.
قال: [وبذلك نزل القرآن وجاءت به السنة النبوية المطهرة، قال الله تعالى:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء:٥٧]]، (يرجون رحمته) يمثل جانب الرجاء، (ويخافون عذابه) يمثل جانب الخوف، ومحل ذلك كله إنما ظهر في أنهم يدعون ربهم، ولذلك قال الله تعالى:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء:٥٧]، ولهذا فالسنة شاهد فيما أخرجه الترمذي من حديث أنس بن مالك أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله عز وجل في الحديث القدسي: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني قبلتك على ما كان منك ولا أبالي).
قال العلماء: الدعاء بسبب الخوف، وهذا النص في الحديث شمل الخوف والرجاء، (إنك ما دعوتني ورجوتني قبلتك على ما كان منك ولا أبالي)؛ لأن الله عز وجل إليه عاقبة الأمور فلا يحاسبه أحد، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:٢٣].
[وقال الله عز وجل:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}[السجدة:١٦]]، أي: خوفاً من عذابه ومن ناره وعقابه، وطعماً في جنته ومغفرته ورضوانه.
[وقال الله تعالى:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ}[الزمر:٩]]، وهذا الخوف، والرجاء: [{وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ}[الزمر:٩]]، فهذه الآيات وغيرها كثير جداً إنما تحمل هذين الجناحين: الخوف والرجاء معاً، كما أن أحاديث كثيرة ذكرت الخوف فقط، أو ذكرت الرجاء فقط، فالذي يقف على آيات وأحاديث الخوف دون أن يقف على آيات وأحاديث الرجاء، ربما هلك من فرط خوفه وفزعه من عذاب الله عز وجل، والذي يقف على آيات وأحاديث الرجاء فقط، ربما اتكل على رحمة الله عز وجل فترك الصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر الطاعات، ووقع في سائر المحرمات اتكالاً على رحمة الله عز وجل، فلا هذا قد حقق الإيمان، ولا ذاك قد حقق الإيمان، وإنما يحقق الإيمان من حقق الخوف والرجاء معاً، وإنما يحقق الرجاء من حقق الخوف، ويحقق الخوف من حقق الرجاء، أما إذا اقتصر على أحدهما فليس بمؤمن على الحقيقة.