[قول أبي حنيفة فيما أحدثه الناس من الأعراض والأجسام]
وقال نوح بن أبي مريم.
وهو أبو عصمة المروزي القرشي هذا كذاب ووضاع، وهو الذي وضع في فضل سور القرآن سورة سورة، وضع حديثاً في فضل كل سورة، والحديث الواحد عبارة عن كراسة أو (كشكول)، وهذا لا يمكن أن يقوله النبي عليه السلام، فإن أعظم خطب النبي عليه الصلاة والسلام هي خطبة حجة الوداع، وخطبة فتح مكة، ولا تبلغ ثلاث صفحات.
لكن عندما يأتي شخص في هذا الوقت بدفتر كامل ويقول: هذا دعاء أربعة من الصحابة، فلا شك أن هذا الكلام ليس من دين الله عز وجل أبداً، فالدين قال الله قال رسوله قال الصحابة، وليس هذا منه أبداً، فقد كثرت هذه الأوراق في هذه الآونة الأخيرة، حيث يأتي في ذيلها أو في عقبها تحذير ووعيد شديد، ثم يتبع هذا الدعاء أو الحديث سبع وسبعون أمراً، منها: قد يحرق الله لك مرادك، ويحرق لك ابنك، وأنت ليس لك في ذلك فائدة؛ لأنه ليس فيه من علم ابن تيمية عليه رحمة الله شيء، فإن ابن تيمية إذا ذكرنا اسمه فذكره كفاية، كما قال سفيان الثوري: عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمات.
وكان ابن تيمية يناقش الصوفية الرفاعية، وهم من شر الخلق، وشر الناس ابتداعاً في الدين، وفاقوا حد التصوف بحدود كثيرة متناهية؛ حتى كان الواحد منهم يمسح بدنه بشحم الثعبان أو بنوع معين من الشحوم لا يتأثر هذا الشحم بالنار، كشحم الضفدع والثعبان، وكلاهما عجيبان، ثم يدخلون في النار ولا تضرهم، فقال ابن تيمية: ندخل النار نحن وأنت فمن أكلته النار فهو على الباطل، ومن نجا من النار فهو على الحق.
ولما وقفوا على النار قال ابن تيمية: يغتسل كل منا قبل دخول النار؛ لأن الماء يزيل هذا الشحم.
فرفضوا الاغتسال، فرفض ابن تيمية أن يدخل النار؛ لأنهم رفضوا أصل التحدي.
وفي رواية: أنه دخل النار وخرج منها ولم يحترق، ولما دخلوا هم أحرقتهم النار؛ لأنه صاحب حق، وقد كان أعلم الناس في زمانه بالله عز وجل، فإن العلم الخشية، والعلم علمان: علم بالأحكام من الحلال والحرام، وعلم بالله وهو الخشية والرجاء.
والرجاء بعد العمل لا قبل العمل، فإن الرجاء قبل العمل غرور واغترار بالله تعالى، أما بعد العمل فهو رجاء صحيح في الله عز وجل.
قال نوح الجامع، وهو نوح بن أبي مريم الذي يعرف بـ نوح الجامع، وقد لقب بـ الجامع؛ لأنه جمع كل شيء إلا الخير، جمع الشر كله.
قال نوح: قلت لـ أبي حنيفة: ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟ الأعراض: كل ما هو معنوي من إثبات النفس لله عز وجل، والأجسام: هي الجوارح من إثبات اليد والعين والساق وغير ذلك من صفات ذاتية له سبحانه وتعالى.
قال: ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: هي مقالات الفلاسفة، أي: من منهج الفلاسفة، وليس من منهج النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه الكرام.
ثم قال له: يا نوح! عليك بالأثر وطريق السلف، وإياك وكل محدثة، فإنها بدعة.
أي: كلام الفلاسفة والمتكلمين كله بدعة حتى ما وافق منه الشرع، فإنه لا يجوز لأحد المسلمين أن يحتج به، وإنما يحتج بما جاء في الشرع؛ لأن هذا هو الطريق الحقيقي الذي يستجلب رضا الله عز وجل، فهذا أبو حنيفة رحمه الله ينصح نوحاً الجامع بسلوك سبيل السلف، والتزام الأثر، وسلوك ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من نهج وأصحابه الكرام.