[احتجاج مالك بن أنس على القدرية بقوله تعالى:(هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن)]
قال: [قال مالك بن أنس: ما أضل من كذب بالقدر لو لم تكن عليهم فيه حجة إلا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ}[التغابن:٢]].
يعني يوم أن خلقكم جعلكم مؤمناً وكافراً، يعني: أنت مسجل عند الله عز وجل أزلاً من أهل الإيمان أو من أهل الكفر، لكن لا تركن على هذا؛ لأنك لا تعلم العاقبة ولا تعلم بما يكتب لك فاحرص أن تكون من أهل الطاعة، ولذلك (سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! ففيم العمل إذاً؟ -ففيم العمل إذا كنا نعمل لأمر قد كان، وقد فرغ منه، وجف به القلم، وطويت به الصحف- قال: اعملوا.
فكل ميسر لما خلق له) فأما أهل الطاعة فييسرون إلى الطاعة، وأهل الشقاوة ييسرون إلى الشقاوة، ولما غابت الشقوة والسعادة عني فينبغي أن أعمل لسعادتي؛ لأن كل عاقل وكل ذكي يعمل لسعادته في دينه ودنياه، فكل عاقل يجب عليه أن يفعل ذلك، فإذا كنت لا أعلم بما يختم لي فلابد أن أحرص على أن يختم لي بخاتمة الإيمان والسعادة؛ ولذلك قال بعض أهل العلم في قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:١٠٢]، قالوا: هل يملك العبد أن يموت مسلماً؟ (وَلا تَمُوتُنَّ) أمر، قالوا: الجواب عن ذلك: إن العبد يكتب له بما كان عليه في حياته، فإذا كان عاملاً بعمل الطاعة والإسلام، مقتدياً بما فيه، فإن الله تعالى يوفقه إلى أن يموت على الإسلام والإيمان والتوحيد.