وبعد عودة ابن بطة إلى موطنه من رحلاته المتكررة الكثيرة لازم بيته أربعين سنة، ولا يعني هذا أنه ترك العلم وترك الدعوة إلى الله عز وجل، وإنما معنى ذلك أنه اعتذر عن قبول أي عمل في مهام السلطان من القضاء والإفتاء وغير ذلك، وإنما تصدر فقط للعلم والتدريس، كما جاء في الروايات أنه كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى قبضه الله عز وجل، وليس معنى ذلك أنه مكث في بيته ولم ينشغل إلا بنفسه.
كما أن مفهوم العزلة عند ابن بطة هو عدم الخوض في الفتن أو الاشتراك في وظائف الحكم، وقد ذكر ابن أبي يعلى عنه أنه كان له مجلس للدرس يوم الجمعة في مسجد عكبرى، كما كان له درس في مسجد المنصور، وهو أعظم مسجد في بغداد، ومن هذه المجالس التي كان يعقدها للتدريس تمكن طلبة العلم من الرواية عنه والانتفاع به.
كما أجمعت كتب التراجم على أنه كان عابداً كبيراً وصالحاً شهيراً، لم ير في سوق ولا رئي مفطراً إلا في يوم عيد، وأنه مستجاب الدعوة وكان صواماً قواماً.
قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان صاحب أحوال وإجابة دعوة رضي الله عنه.
وقال ابن الجوزي: وكان له حظ وافر من العلم والعبادة.