[سرد المؤلف لشعب الإيمان]
أما اجتهاد ابن بطة في ذكر كلام أهل العلم في حصر هذه الشعب، فقد جاء بسنده عن الضحاك بن مزاحم أنه قال: [إن أحق ما بدأ به العبد من الكلام أن يحمد لله ويثني عليه.
الحمد لله نحمده ونثني عليه بما اصطنع عندنا أن هدانا للإسلام، وعلمنا القرآن، ومنَّ علينا بمحمد عليه السلام، وأن دين الله الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام].
وفي الحقيقة أن هذا عند التفرد، يعني إذا ذكر الإيمان وحده في نص أو في دليل شمل معه الإسلام، وإذا ذكر الإسلام وحده في نص شمل معه الإيمان، أما إذا ذكر الإيمان والإسلام في نص واحد فلكل واحد منهما مدلول يخصه، ولذلك يقول العلماء: الإيمان والإسلام إذا اجتمعا افترقا اجتمعا، أي: إذا اجتمعا في نص افترقا في المعنى والمدلول، وإذا افترقا، أي: ذكر كل واحد منهما لوحده اشتمل على الآخر.
قال: [وبه أرسل المرسلون قبله، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥]، وهو الإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، والتصديق والإقرار بما جاء من الله، والتسليم لقضائه، وحكمه، والرضا بقدره، وهذا هو الإيمان، ومن كان كذلك فقد استكمل الإيمان].
أي: من حقق هذا كله، فقد حقق كمال الإيمان وتمامه، إذاً: هو يشير إشارة إلى كمال الإيمان ونقصانه؛ لأن الشيء الذي يقبل الزيادة والكمال لا بد أن يقبل النقصان، وإلا فقبل أن يكمل كان ناقصاً، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة، أي: أن الإيمان يزيد وينقص.
قال: [ومن كان مؤمناً حرم الله ماله ودمه، ووجب له ما يجب على المسلمين من الأحكام].
يعني: إذا ثبت الإيمان -ومعه الإسلام من باب أولى لعبد- فقد حرم الله عز وجل دم هذا المؤمن وعرضه وماله إلا بحقه، قال: [ولكن لا يستوجب ثوابه ولا ينال الكرامة إلا بالعمل فيه، واستيجاد ثواب الإيمان عمل به].
أي: لا بد لمن زعم أنه مؤمن أن يأتي من العمل ما يوجب لصاحبه الثواب عند الله عز وجل، إذ إن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، والأعمال جزء من الإيمان، ومن الأعمال ما ينقض الإيمان، بل وينقض الإسلام، ومن الأعمال ما له تعلق بالكمال الواجب، ومن الأعمال ما له تعلق بالكمال المستحب على التفصيل السابق.
قال: [والعمل به]، أي: بموجبات الإيمان، [اتباع طاعة الله تبارك وتعالى في أداء الفرائض، واجتناب المحارم، والاقتداء بالصالحين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا]، هذا كله من الإيمان، [ومحافظة على أداء الجمعة، والجهاد في سبيل الله، والاغتسال من الجنابة، وإسباغ الطهور، وحسن الوضوء للصلاة، والتنظيف، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وصلة ما أمر الله تعالى به أن يوصل، وحسن الخلق مع الخطأ، واصطناع المعروف إلى الأقرباء، ومعرفة كل ذي حق حقه، من والد فوالدة فولده، فذي قرابة، فيتيم، فمسكين، فابن سبيل، فسائل، فغارم]، أي: المدين، [فمكاتب]، الذي يكاتب سيده على الحرية في مقابل ثمن مدفوع، [فجار، فصاحب، فما ملكت اليمين]؛ كل ذلك الإتيان به من الإيمان، [والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحب في الله، والبغض في الله تعالى، وموالاة أولياء الله، ومعاداة أعداء الله، والحكم بما أنزل الله، وطاعة ولاة الأمر]، أي: ما داموا موحدين، وما داموا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، [والغضب، والرضا، ووفاء بالعهد، وصدق الحديث، ووفاء بالنذور، وإنجاز الموعود، وحفظ الأمانة من كتمان السر أو المال، وأداء الأمانة إلى أهلها، وكتاب الدين المؤجل بشهادة ذوي عدل]، أي: كتابة الدين الذي بينك وبين أخيك من الإيمان، وكثير من الأخوة يتورعون عن ذلك! [والاستشهاد على المبايعة، وإجابة الداعي للشهادة، وكتابة بالعدل كما علم الله تعالى، وقيام الشهادة على وجهها بالقسط]، أي: بالعدل، [ولو على النفس والوالدين والأقربين، ووفاء الكيل والميزان بالقسط، وذكر الله تعالى عند عزائم الأمور، وذكر الله تعالى على كل حال، وحفظ النفس، وغض البصر، وحفظ الفرج، وحفظ الأركان كلها عن الحرام، وكظم الغيظ، ودفع السيئة بالحسنة، والصبر على المصائب، والقصد في الرضا والغضب، والاقتصاد في المشي والعمل، والتوبة إلى الله تعالى من قريب]، أي: المبادرة والمسارعة إلى التوبة، [والاستغفار للذنوب، ومعرفة الحق وأهله، ومعرفة العدل إذا رأى عامله، ومعرفة الجور إذا رأى عامله كيما يعرفه الإنسان من نفسه إن هو عمل به، ومحافظة على حدود الله، ورد ما اختلف فيه من حكم أو غيره إلى عالمه]، إذا كان جاهلاً فمرد ذلك إلى أهل العلم الذين يستنبطون الأحكام من كتاب الله، [وجسور على ما لم يختلف فيه من قرآن منزل، وسنة ماضية، فإنه حق لا شك فيه، ورد ما يتورع فيه من شيء إلى أولي الأمر الذين يستنبطونه منهم، وترك ما يريب إلى ما لا يريب]، أي أن ترك المشتبهات من الإيمان، [واستئذان في البيوت، فلا يدخل البيت حتى