[شرح رواية معاوية بن أبي سفيان لحديث الافتراق]
قال: [وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وكذلك سعد بن أبي وقاص قالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين ملة، ولن تذهب الأيام والليالي حتى تفترق أمتي على مثلها، ألا وكل فرقة منها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة).
وعن أبي عامر عبد الله بن يحيى قال: (حججت مع معاوية بن أبي سفيان، فلما قدمنا مكة أخبر بقاص يقص على أهل مكة من بني مخزوم، فأرسل إليه معاوية فقال له: أمرتك بهذا القصص؟ قال: لا، قال: فما حملك على أن تقص بغير إذني؟ قال: ننشر علماً علَّمَنَا الله.
فقال معاوية: لو كنت تقدمت إليك قبل مرتي هذه لقطعت منك طائفة -أي: لقطعت منك جزءاً- ثم قام حين صلى الظهر بمكة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني: الأهواء، وأنها كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة.
وقال: إنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله)]، أي: تدخل تلك الأهواء في جزء من أجزاء أبدانهم، حتى ما تدع عرقاً ولا مفصلاً إلا دخلته وتمكنت منه، ثم شبه النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأهواء بكلب عض إنساناً فدخل فيه أثر عضة الكلب، وهذا الداء يسمى الكلِب بكسر اللام، يصيب المعضوض بسبب عضة الكلب، وإذا تمكن هذا الداء من هذا الإنسان فلا يخرج منه إلا بالموت، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (تتجارى بهم تلك الأهواء)، أي: تدخل في كل أجزاء أبدانهم وعقولهم وأفكارهم وقلوبهم حتى تتمكن منها تمكن الكلِب من صاحبه، حتى يبدو منه في كل عرق ومفصل، أو لا يدع منه عرقاً ولا مفصلاً.
فهذه الأهواء والمحدثات في الاعتقاد -على جهة الخصوص- إذا تمكنت من العبد تمكناً على هذا النحو فإنه لا ينجو منها قط، إلا إذا شاء الله تعالى له النجاة، كما شاء الله تعالى نجاة بعض المتكلمين والفلاسفة وأصحاب المذاهب الهدامة والأفكار القبيحة الرديئة، كما هو الشأن في أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى الذي تاب من أشعريته، وبقي أصحابه على أشعريتهم؛ ظناً منهم أن الأشعرية هم أهل السنة، وأن الأشعرية هي السنة، وليس الأمر كذلك، بل الأشعرية انحراف عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهي مناقضة لما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام في العقيدة.
قال: [(وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلِب بصاحبه، فلا يبقي منه عرق ولا مفصل إلا دخله، ثم قال معاوية: والله يا معشر العرب! لئن لم تقوموا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به)].
يعني: إذا تهاونا وتكاسلنا نحن العرب عن حمل دين الله عز وجل، وعن أن نأمر فيه بالمعروف وننهى فيه عن المنكر بشروطه المعروفة عند أهل العلم، وأن نحمل هذا الدين، ونغير به الأرض كلها؛ حتى يدخل هذا الدين في كل بيت وبر أو مدر؛ فمن يحمله؟ أيحمله العجم الذين لا يحسنون لغة العرب والقرآن؟ وقد اختار الله عز وجل نبيه من العرب، واختار أصحابه من العرب، وقلَّ أن يكون أصحابه من العجم، مع أنه لا فرق بين عربي وعجمي، ولا أحمر ولا أبيض، ولا أسود ولا أبيض إلا بالتقوى، كما أخبر الله تعالى في كتابه، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام في سنته.
فنشر هذا الدين يقع على عاتق العرب لأول وهلة، ولا مانع أن ينصر الله تعالى هذا الدين على يد رجل أعجمي، أو على يد مولى من الموالي لا على يد حر، وكل هذا إنما يتم بقدر الله عز وجل وقدرته، لكن كلف العرب أولاً أن ينشروا دين الله عز وجل، فإذا هم نفروا عن ذلك فغيرهم أولى بهذا النفور.