للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا)]

[ثم حذرنا من مواقعة ما أتاه من قبلنا من أهل الكتاب، مخافة أن يصيبنا ما أصابهم، فقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:١٠٥].

فأخبرنا أنهم عن الحق رجعوا، ومن بعد البيان اختلفوا].

فالواحد منا لابد أن يدرك أمراً بعقله، وهو أن الصحابة أحسن الناس بعد الأنبياء، وأحسن الصحابة الخلفاء الراشدون، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، لكن على أية حال فإن الصحابة هم أفضل خلق الله بعد الأنبياء والمرسلين من جهة الفهم، ومن جهة العلم والإيمان والعمل.

فهم أول من خوطبوا بخطاب الشرع، وكان بلغتهم، ففهموا خطاب الشارع، وما فاتهم من فهم سألوا عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أمرهم على الجادة حتى ظهرت الفرق، فظهرت القدرية، وظهرت الشيعة، وظهرت الخوارج وهذه الطوائف الثلاث هي أولى الطوائف في الإسلام، واتخذت كل طائفة من هذه الطوائف أصولاً وقواعد، هذه الأصول والقواعد خالفت كتاب الله من ناحية، وخالفت سنة النبي عليه الصلاة والسلام من ناحية أخرى، والذي يفهمها سلف الأمة.

فالأمر فيهم كما قال ابن مسعود: إما أنكم على ملة هي أهدى من ملة محمد عليه الصلاة والسلام، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة.

فهل يعقل أن ربنا تبارك وتعالى أخفى الاعتزال وهو حق على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأظهره لـ واصل بن عطاء؟ إن واصل بن عطاء كان من تلاميذ الحسن البصري وانشق عنه في أوائل المائة الثانية، فهل يعقل أنه فهم فهماً أفضل من فهم الصحابة؟! لو بحثت شرقاً وغرباً لن تجد هذا القول الذي سمعناه.

وفي هذا الزمان أناس يقولون: النقاب حرام، فأخذت أبحث في كتب أهل العلم الموثوق، وبحثت في كتب أهل البدع، حتى في كتب الشيعة والقدرية والخوارج والضلال والفساق والفلاسفة، فلم أجد أحداً منهم يقول: النقاب حرام، فمن أين أخذت هذا؟ كل ما فيها أن هذه المسألة هي محل خلاف على قولين اثنين لا ثالث لهما: إما أنه فرض واجب، وإما أنه سنة مستحبة.

فعندما يأتي رجل بعد (١٤٢٠) سنة مرت على هذه الأمة ويقول: النقاب حرام؛ فهذا قول ثالث لم يأت به أحد من أهل العلم، وإنه لجدير أن نذكر كلام ابن حزم: إذا اختلف السلف والأئمة على قولين فلا يحل لمن أتى بعدهما أن يأتي بقول ثالث؛ لأنه لو قلت: إنه من الممكن وجود القول الثالث، فإنك ستقول: إن السلف اختلفوا في مسألة على وجهين، ولم يكن الحق من وجهين، ودل على أنهما ضلا عن معرفة الحق.

ولذلك قال: إذا اختلف السلف في مسألة على قولين فلا يحل لمن أتى بعدهم أن يأتي بقول ثالث، وإلا لكان ظالماً.

حذرنا الله تعالى من اقتراف ما اقترفه أهل الكتاب من قبلنا فقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:١٠٥].

فلا تتشبهوا بهم حتى لا يصيبكم من العذاب العظيم ما أصابهم، فأخبرنا أنهم عن الحق رجعوا، ومن بعد البيان اختلفوا.