[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل قادر]
[وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والله لأن يهدي الله بهداك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)]، وهذا فيه أعظم حافز لدعوة الناس إلى الله عز وجل، حتى ولو كانت ثمرة الدعوة على مدار الأعوام العديدة واحداً، (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق).
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (اتقوا النار ولو بشق تمرة).
وذهب النبي عليه الصلاة والسلام ليزور طفلاً يهودياً في مرض موته ليدعوه، فلما ذهب إليه النبي عليه الصلاة والسلام دعاه إلى الحق، وإلى طريق الإسلام، فنظر الغلام إلى أبيه فقال أبوه: (يا غلام! أطع أبا القاسم، فنطق الغلام بالشهادتين، فخرج النبي عليه الصلاة والسلام ووجهه يتهلل ويقول: الحمد لله الذي أعتق بي رقبة من النار)، أي: رقبة واحدة.
فالدعوة إلى الله عز وجل واجبة على كل قادر عليها، أما النتيجة فهي على الله عز وجل، وإن قلت ثمرتها فإنه لا حرج في ذلك، والسلف رضي الله عنهم كانوا يأتون بكلمات ثم لا ينتظرون النتائج وكانوا يفعلون ما أمروا به؛ لأنهم يعلمون أن ثمرة هذا الكلام وهذه الدعوة على الله عز وجل دون سواه.
[وقال الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنفق عبد نفقة أفضل عند الله من نفقة قول)]، والعلم يزكو بالدعوة والعمل، وهذا كلام علي بن طالب وابن سيرين وابن المبارك وغيرهم من أهل العلم.
قال: والعلم يزكو بالدعوة والعمل.
أي: يزيد وينمو كلما دعوت إلى الله عز وجل، ولذلك الذي يدعو إلى الله عز وجل يتعلم أكثر ممن لا يدعو إلى الله عز وجل.
ولذا لو أن شخصين يحضران مجالس العلم، أحدهما يدعو بما تعلم ويعمل به، والآخر يكتفي من العلم بالسماع والحفظ فقط، ولا يعمل به أو لا يدعو إليه، فيكاد هذا الذي لا يدعو أن ينسى ما تعلمه، بخلاف الذي يدعو فإنه يحتاج في كل دعوة أن يذكر وأن يتذكر وأن يراجع، وأن يدرس ما تعلمه، حتى يتمكن من تبليغه للناس، ودعوة الناس إليه وبه، فهذا أدعى لتثبيته في القلوب، ولذلك فزكاة العلم ونماؤه هي الدعوة إليه ومدارسته ومراجعته، وغير ذلك مما كان يفعله السلف.
[وقال ابن مسعود: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم يكن نبي قط إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يتبعون أمره ويهتدون بسنته، ثم يأتي من بعد ذلك أمراء يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، يغيرون السنن، ويظهرون البدع، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن, وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة خردل)].
ففي الحديث بين النبي عليه الصلاة والسلام أن أول هذه الأمة على الخير والبركة والرحمة، وأن حوارييه عليه الصلاة والسلام على الإيمان التام، وهم أصحابه الكرام الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، لكن يأتي من بعدهم أمراء وسلاطين يقولون ما لا يعملون، ويعملون ما لا يؤمرون، يُظهرون البدع ويميتون السنن، يكيدون للإسلام ليل نهار، وينقضون عراه عروة عروة.
ثم بين النبي عليه الصلاة والسلام أن على هؤلاء الحواريين ومن سلك نهجهم إلى قيام الساعة واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قوله: (فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن)، أي: إذا كان هذا المنكر لا يزول إلا باليد فواجبٌ أن نزيله باليد، وإذا عجزوا عن التغيير باليد جاهدوهم باللسان والدعوة والبيان، وإذا عجزوا عن ذلك فلا أقل من أن ينكروا بقلوبهم، ويفارقوا مواطنهم ولو بالهجرة من بلاد المعصية إلى بلاد الإيمان، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان، كما روي عند مسلم من حديث أبي سعيد في الإنكار على هؤلاء، قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، أي: لا إيمان بعد ذلك، وفي رواية: (وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة خردل)؛ لأن تغيير المنكر بالقلب في مقدور كل إنسان، إذ لا سلطان لأحد على قلبك إلا لله عز وجل، فأنت بإمكانك أن يتمعر وجهك، وأن تهجر وتفارق مكان المعصية، فإن عجزت عن التغيير باليد أو باللسان، فلا أقل من أن تهجر مكان المعصية مخافة أن ينزل العقاب فيعم الجميع.
[وقال أبو أسامة -وهو حماد بن أسامة -: جزى الله عنا خيراً من أعان الإسلام بشطر كلمة]، وجزى الله تعالى شراً من أعان على هدم الإسلام ولو بشطر كلمة.