[رواية حذيفة بن أسيد أن السعيد والشقي من سعد أو شقي في بطن أمه]
قال: [وعن حذيفة بن أسيد الغفاري -بعض الناس يقول: أُسَيد وهو أَسِيد مكبر- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استقرت النطفة في الرحم بعث الله إليها ملكاً موكلاً بالأرحام، فيقول: يا رب! ما أكتب؟! أذكر أو أنثى؟ قال: فيقضي الرب ويكتب الملك، ثم يقول: رب! أشقي أم سعيد؟ قال: فيقضي الرب ويكتب الملك، ثم يكتب مصائبه ورزقه وأجله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هؤلاء خمس يكن في الرحم -يعني: يكتبن على ابن آدم وهو في رحم أمه- لا يزاد فيهن ولا ينقص منهن).
وعن أبي الزبير أن عامر بن واثلة أبا الطفيل حدثه أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره -يعني: اعتبر بما نزل على غيره-.
قال: فأتى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: حذيفة بن أسيد الغفاري فحدثته بذلك من قول ابن مسعود، فقلت: كيف شقي بغير عمل؟! -شقي وسعيد وهو لا يزال في بطن أمه! فكيف يكتب عليه الشقاء بغير عمل؟ - قال: فقال: تعجب من ذلك؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله عز وجل إليها ملكاً فصورها، وخلق سمعها وبصرها، وجلدها ولحمها وعظامها)].
وكل ذلك بعد اثنين وأربعين، وهذا يؤيد من ذهب إلى أن نفخ الروح عند الأربعين، وبعضهم قال: نفخ الروح يكون بعد مائة وعشرين يوماً، وهذه المسألة فيها نزاع عظيم جداً، والطب الحديث -وإن كنا لا نعتمد عليه- لما كان هذا ميدانه معظم التقارير الطبية في هذا الزمان تثبت أن نفخ الروح يكون بعد الأربعين، ويصورون الأجنة عن طريق تلك المكينات الحديثة وهو يتحرك بعد الأربعين؛ مما يقوي هذا الرأي.
وقد سمعت الشيخ ابن عثيمين عليه رحمة الله وقد سألته امرأة حملت -وتعدى حملها أربعين يوماً- فقالت: أنا حامل وعندي عذر في إسقاط الجنين بالإجهاض، فهل يحل ذلك لي؟ قال: إذا كان حملك قبل الأربعين ودعتك الضرورة للإجهاض؛ فبها ونعمت، وإذا كان ذلك بعد الأربعين فلا يحل لك مع قيام العذر حتى وإن تسبب الحمل في موتك.
فهذه المسألة محل نزاع، ولا نستطيع أن نقضي بأرجحية أحد الرأيين على الآخر: هل نفخ الروح بعد المائة والعشرين يوماً، أو بعد الأربعين، ولا شك أن الاحتياط لدين المرء اعتباره أن نفخ الروح يكون بعد الأربعين، هذا هو الاحتياط؛ لأنه سيترتب عليه أحكام شرعية لا يمكن الاحتياط لها إلا باعتبار هذا الرأي، وعدم رد الرأي الثاني.
قال: [إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله عز وجل إليها ملكاً فصورها، وخلق سمعها وبصرها، وجلدها ولحمها وعظامها، فقال: يا رب! أذكر أم أنثى؟ فيقضي الرب ما شاء ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب! أجله؟ فيقضي ربك ما شاء، ثم يقول: يا رب! رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده، فلا يزيد على أمره ولا ينقص).
وعن سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع أبا الطفيل - عامر بن واثلة الأسقع - يخبر عن حذيفة بن أسيد الغفاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل الملك على النطفة بعد ما استقرت في الرحم أربعين أو خمساً وأربعين -أي: أربعين يوماً أو خمسة وأربعين يوماً- فيقول: يا رب! أذكر أو أنثى؟ فيقول الله عز وجل؛ فيكتب، ثم يقول: يا رب! أشقي أو سعيد؟ فيقول الله؛ فيكتب، ثم يكتب مصيبته -أي: المصائب والبلايا التي تنزل بالعبد- وأثره ورزقه وعمله، ثم تطوى الصحف؛ فلا يزاد على ما فيها ولا ينقص).
قال حذيفة بن أسيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مضت على النطفة خمس وأربعون ليلة يقضي الله عز وجل ويكتب الملك)].
جاء اثنان وأربعون، وثلاثة وأربعون، وخمسة وأربعون، ونيف وأربعون، فكل هذه اختلافات تحتمل، والأمر فيها سهل؛ ولذلك أتت رواية بضع وأربعين.