[بعض كلام الإمام أحمد في الواقفة]
قال: [قال أبو بكر أحمد بن هارون: حدثنا عبد الله ابن الإمام أحمد، قال: سمعت أبي رحمه الله وسئل عن الواقفة، فقال: من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي].
أي: من كان منهم يعرف معنى ما يتكلم به، ويقصد حقيقة الكلام، فهو جهمي، مع أن هذه المسألة مقطوع بها عند السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق فهو كافر.
قال: [لما قيل لـ أبي عبد الله: ما الواقفة؟ قال: أما من كان لا يعقل فإنه يبصر].
أي: أن الإنسان الجاهل الذي لا يعلم خطورة هذا القول يعلم ويبصر بحقيقة الأمر، وقد تجد أناساً كثيرين جداً لا يفهمون، وهنا الآن أرسل شخص برسالة يقول فيها: نريد أن نعلم ما معنى لفظية؟ وقبل أن نتكلم عن مسألة خلق القرآن شخص يتكلم ويقول: ما معنى القرآن مخلوق؟ وما خطورة أنه مخلوق؟ وحينئذ ينبغي أن يعلم الجاهل، وأن يعذر حتى يعلم، فإن تعلم لم يكن له عذر بعد ذلك في التوقف أو في إثبات أن القرآن كلام الله مخلوق.
قال: [وقال مهنا بن يحيى: قلت لـ أحمد بن حنبل: أي شيء تقول بالقرآن؟ قال: كلام الله وهو غير مخلوق.
قلت: إن بعض الناس يحكي عنك أنك تقول: القرآن كلام الله وتسكت].
فانظروا إلى المفترين في زمن الإمام أحمد! ولذلك فإن أعظم فتنة تعرض لها الإمام هي مسألة الوقف واللفظ ومخلوق: وقوله: (وتسكت).
أي: أنه من الواقفة.
قال: [قال الإمام: من قال علي ذا فقد أبطل].
أي: تكلم بالباطل.
قال: [يقول الدورقي: سألت أحمد بن حنبل فقلت: فهؤلاء الذين يقولون: نقف ونقول كما في القرآن، كلام الله ونسكت، قال: هؤلاء شر من الجهمية، إنما يريدون رأي جهم].
[وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن الرجل يقف، قال: هو عندي شاك مرتاب].
[قال محمد بن سليمان الجوهري بأنطاكية: سألت أحمد بن حنبل عن القرآن، فقال: إياك ومن أحدث -أي: ابتدع- فيه، فقال: أقول: كلام الله ولا أدري مخلوق أو غير مخلوق؟ من قال: مخلوق فهو ألحن بحجته من هذا -أي: قد أبان حجته وإن كانت باطلة، لكن على أية حال فلديه حجة- وإن كانت ليست لهما حجة ولله الحمد].
قال: [عن الحسن بن ثواب المخرمي قال: قلت لـ أبي عبد الله أحمد بن حنبل: الواقفة؟ قال: صنف من الجهمية استتروا بالوقف].
وأنتم تعلمون أن التوقف دائماً شر، وتعلمون أن جماعة من الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة اسمها: جماعة التوقف والتبين؛ وسميت بالتوقف لأنها تتوقف عن إثبات حكم الإيمان أو الكفر لأي أحد مهما كان إلا إذا تبين لها أنه مؤمن، وهذا بلاء عظيم جداً لا ندري من أين جاءوا بهذا؟! وهذا الذي يتوقف في إثبات حكم إسلامي للمسلمين لا شك أنه فرع عن التكفير، أي: أن التوقف والتبين فرع عن التكفير.
وتصور أنه يرى الناس وقت الأذان يخرجون من بيوتهم ويدخلون في بيوت الله عز وجل، ومع هذا لا يحكم لهم بالإسلام إلا أن يتبين له بعد نقاش وحجج وسوق أدلة أنهم مسلمون، ويرى الناس يصلون في بيوت الله عز وجل فلا يحكم لا للإمام ولا للمأمومين بالإسلام إلا أن يتبين له شخصياً أنهم من أهل الإسلام! بلاء عظيم جداً، والحمد لله أن هذه الفتنة كثير منكم لم يدركها، كثير من الشباب الصاعد لم يدركها، بل كان هذا في وقت من الأوقات في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات! كان بلاءً وشراً مستطيراً، ولذلك أحداث (١٩٨١م) بفضل الله عز وجل رغم ما كانت تحمل من محن شديدة جداً إلا أنها أسفرت عن معادن الناس في ذلك الزمان، والذي تربى حقيقة إنما تربى قبل هذا التاريخ، ومن تربى بعده فلا شك أنه لم يدرك تلك المعارك التي صقلت أبناءها في ذلك الوقت، ولذلك لما دارت فتنة التوقف كنا قبل (١٩٨١م) يمشي الواحد منا في طريق وعلى الجانب الآخر من الطريق أخ أو شبه أخ، فيمر الواحد إلى الناحية الأخرى ويعرض نفسه للطيارات والخطر من أجل أن يقابله ويقول: السلام عليكم يا أخي! كيف حالك؟ ما هو اسمك؟ وأين تسكن؟ وإلى أين تذهب؟ فيتعرف عليه وعلى أبيه وأمه وزوجته وأولاده وشغله، وإلى أين هو ذاهب، ومن أين أتى في الطريق، والآن الأخ ربما يصطدم رأسه برأس أخيه ولا يقول له: السلام عليكم، فهذا حاصل الآن؛ وما هذا إلا أثر طبيعي في التوقف، وإلا فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ألق السلام على من عرفت ومن لم تعرف)، يعني: من المسلمين، إلا أن يتبين لك أو تعلم مطلقاً أن هذا كافر، أي: أن هذا الرجل ليس من المسلمين، بل هو من الكفار، فلا تبدأه بالسلام، وإن سلم عليك فقل: وعليك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في أهل الكتاب، أو في الكفار عموماً.
فالذي يقابلني وهيئته ومنظره يدل على أنه مسلم فهو أحسن مني، ثم ما الذي يمنعني أن أسلم عليه، وقد ترى أخاً ينظر إليك بمنتهى الغلظة والجفاء والخشونة حتى لو أنك ناو أن تقول له: السلام عليكم، إن الدين هو المعا