للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلام أبي شامة في حكم من شبه شيئاً من صفات الله بما يقابله من جوارحه

قال: [وقال: أبو شامة رحمه الله تعالى: من ذكر شيئاً من أوصاف الله عز وجل، وأشار إلى ما يقابل ذلك من جوارحه عوقب ببتره، قال ذلك في كتاب: الحوادث والبدع، وأبو شامة من أئمة أهل السنة، ومعنى كلامه هذا: أن من ذكر شيئاً من أوصاف الله عز وجل كالعين مثلاً، فإذا ذكر المؤمن قول الله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩]، وأشار إلى عينه، قال: فحكمي فيه أن تفقأ عينه]، وهذا لما أراد بهذه الإشارة تشبيه الخالق بالمخلوق، وإذا أراد بالتمثيل التقريب، أي: تقريب المعنى إلى أذن السامع مع استقرار الفارق بين أوصاف الخالق والمخلوق فلا بأس بذلك، ولذلك (دخل على النبي عليه الصلاة والسلام يهودي أو حبر من أحبار اليهود فقال: يا محمد! إنا لنعلم أن الله عز وجل خلق الخلق فجعل الأرض على ذه، والسماء على ذه، والجبال على ذه، والبحار على ذه وأشار إلى أصابعه، ثم ضحك النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ألم تسمعوا إلى ما يقول هذا اليهودي؟! فقال رجل من المسلمين: ماذا قال يا رسول الله؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه أتاني وقال: إنا لنعلم يا محمد -عليه الصلاة والسلام- أن الله تعالى خلق الخلق فجعل السماء على ذه، والأرض على ذه، والجبال على ذه، والبحار على ذه، ثم قبض اليهودي قبضته، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧])، وتلا آيات من صفات الله عز وجل، والشاهد أن النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى أصابعه، كأن الله تعالى جعل السماء على أصبع، والأرض على أصبع، والبحار على أصبع، وغير ذلك من سائر مخلوقاته، وكل ذلك مطوي في يمين الله عز وجل: {وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧] سبحانه وتعالى، فما أنكر عليه الصلاة والسلام على اليهودي، بل تبسم لما سمع قوله؛ لأنه قد استقر في أذهان الصحابة والسامعين أن أصابع الخالق تختلف عن أصابع المخلوقين، ولكنه ما أشار إلا لتقريب المعنى وإظهار مكانه فحسب، أما من أشار إلى أصبعه ليبين أن أصابع الخالق سبحانه وتعالى كأصابعه فهذا حكمه كما قال أبو شامة: أن تقطع أصابعه.

ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قلت: يا رسول الله هل تخاف؟ قال: وما يؤمنني وليس من أحد إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله عز وجل، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه، يقلب أصبعيه عليه الصلاة والسلام) فهذا التشبيه لتقريب المعنى، لا لأن التقليب هو التقليب.