[تفسير ابن عباس لقوله تعالى:(كما بدأكم تعودون) وإثباته أن الله خلق الشر]
قال: [وعن ابن عباس في قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ}[الأعراف:٢٩ - ٣٠]، قال: ولذلك خلقهم حين خلقهم، فجعلهم مؤمناً وكافراً، وسعيداً وشقياً، وكذلك يعودون يوم القيامة مهتدياً وضالاً، وعن أبي العالية كذلك في نفس الآية.
وعن طاوس: أن رجلاً قال لـ ابن عباس: إن ناساً يقولون: إن الشر ليس بقدر -يعني: الله لم يخلق الشر، وليس هو من قدر الله عز وجل- فقال ابن عباس: فبيننا وبين أهل القدر هذه الآية: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:١٤٨]]، يعني: هذه حجة المشركين، يقولون: لماذا يعذبنا الله على شركنا والشرك يقع بمشيئة الله؟ قالوا:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا}[الأنعام:١٤٨]، أي: لَوْ شَاءَ اللَّهُ ألا يجعلنا مشركين، وأن يجعلنا مؤمنين لفعل، إذاًَ: نحن مشركون بمشيئة الله عز وجل، والله هو الذي شاء لنا ذلك، فلم يعذبنا؟ إن الفرق بين المشركين في ذلك الوقت، وبين القدرية الذين يتظاهرون بالإسلام: أن المشركين يعلمون أن الشرك واقع بمشيئة الله، يعني: المشركون يفهمون ويعتقدون أن الشرك مخلوق لله عز وجل، لكنهم يقولون: لماذا يعذبنا؟ وذلك لأنه قد غاب عنهم أن المشيئة مشيئتان أو أن الإرادة إرادتان: شرعية دينية، وكونية قدرية، أما الشرعية الدينية فمبناها على المحبة والرضا، وأما الكونية القدرية فلا يلزم أن تبنى على المحبة والرضا، بل المعاصي والذنوب من مشيئته وإرادته الكونية القدرية.
ولذلك قال المشركون:{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:١٤٨]، إلى قوله:{فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام:١٤٩] فشرككم أيها المشركون! وكفركم أيها الكافرون! مكتوب في اللوح المحفوظ والرق المنشور، قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، علم أنكم ستختارون الشرك والكفر؛ فكتب ذلك في اللوح المحفوظ الذي لا يقبل المحو والإثبات:{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرعد:٣٩]، أي اللوح المحفوظ الذي لا يقبل بعد ذلك محواً ولا إثباتاً.