للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتباع ابن عمر لآثار النبي عليه الصلاة والسلام في الأمور الاعتيادية]

قال: [وعن عبد الله بن عمر أنه كان يتبع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره وحاله وأفعاله ويهتم به].

حتى الأفعال الجبلية، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بال في مكان يحرص عبد الله بن عمر أن يبول في نفس المكان، وإذا جلس واستظل بظل شجرة يحرص عبد الله بن عمر أن يستظل بظل تلك الشجرة؛ تبركاً بآثاره عليه الصلاة والسلام.

قال: [وعن نافع قال: كان ابن عمر إذا مر بشجرة بين مكة والمدينة أناخ عندها، ثم صب في أصلها إداوة من ماء، وإن لم تكن إلا تلك الإداوة معه، قال: وقال نافع: وأرى أن النبي عليه الصلاة والسلام فعله ففعله].

يعني: أن ابن عمر لم يكن معه إلا قربة ماء واحدة، والطريق طويل بين مكة والمدينة، لكنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام في نفس المكان عند أصل هذه الشجرة قد سقى الشجرة بإداوة من ماء كانت معه؛ فأراد عبد الله بن عمر أن يصنع نفس الصنيع، مع أن الطريق طويل وربما يعطش، لكن اتباع آثاره عليه الصلاة والسلام أحب إليه من هذا، وهذا منتهى الإيمان: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده وأهله وماله والناس أجمعين)، والرواية هذه من طريقين أو من حديثين.

قال: [وعن نافع قال: كان ابن عمر يتتبع آثار رسول الله عليه الصلاة والسلام فيصلي فيها، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة فكان ابن عمر يصب تحتها الماء حتى لا تيبس].

قال: [وعن مجاهد قال: كنا مع ابن عمر في سفر، فمر بمكان فحاد عنه، فسئل: لم فعلت ذلك؟ قال: إني رأيت رسول الله فعل هذا ففعلت].

قال: [وعن عاصم الأحول قال: كان ابن عمر إذا رئي في طريق، كأنه ذكر كلمة من شدة اتباعه لأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قيل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم لصق بالحائط لصق]، أي: إذا قيل لـ عبد الله بن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم وضع رأسه على هذا الجدار فإنه يضع رأسه على هذا الجدار.

وأنتم تعلمون أن من السنة لزق البطن والصدر بالملتزم الذي بين الحجر الأسود والباب.

[وإن قيل له: قعد قعد، وإن قيل له: مشى مشى] شدة اتباع.

[قال الشيخ ابن بطة: والله هذه أفعال العقلاء -يعني: أفعال عبد الله بن عمر - والمؤمنين، وأخلاق الأئمة الهادين المهديين الراشدين المرشدين، الذين من اقتفى آثارهم فاز ونجا ورشد واهتدى، ومن تفيأ بظلهم لم يظمأ ولم يضح، ومن خالفهم ضل وغوى، وغضب عليه رب السماء؛ فنعوذ بالله من الشقاوة والعماء، ومن الضلالة بعد الهدى].

قال: [وكان عبد الله بن عمر يحفظ ما يسمع من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإذا لم يحضر سأل من حضر عما قال رسول الله وفعل].

وهذه سنة، أي: أنك عندما تغيب عن درس يوم تذهب إلى صاحبك وترتب معه في المسجد، فتقول له: اليوم الذي لا أحضر فيه يا فلان تحضر أنت فيه، واليوم الذي أنا أحضر فيه تذهب وتشتغل فيه، وقد جاء في كتاب العلم عند البخاري: أن عمر بن الخطاب كان له جار من الأنصار يتناوبان العلم، فـ عمر بن الخطاب يذهب يوماً ويأتي بطعامه وطعام جاره، والجار يحضر مجلس النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يظل في الليل يعلم عمر ما قال النبي صلى الله عليه وسلم وما صنع، وفي اليوم الثاني يذهب الأنصاري إلى المعاش والرزق والسوق والتجارة، فيتكسب له ولـ عمر، وعمر يجلس في مجلس النبي عليه الصلاة والسلام، وفي الليل بعد العشاء يأتي يعلمه عمر: النبي قال، النبي عمل، النبي أمر، النبي نهى، النبي شرح.

قال عمر: كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب الحضور في مجلس النبي عليه الصلاة والسلام.

فانظر إلى عبد الله بن عمر، هذا الشبل من ذاك الأسد، فقد كان إذا فاته مجلس ذهب إلى رفقائه الذين حضروا؛ ليسمع منهم ما فاته من النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: [وإذا لم يحضر سأل من حضر عما قال رسول الله وفعل، وكان يتتبع آثار رسول الله عليه الصلاة والسلام في كل مسجد صلى فيه].

يعني: أنه كان يصلي في نفس المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: [وكان يعترض براحلته في كل طريق].

لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخذ راحلته سترة، وكذلك كان عبد الله بن عمر، فقد كان يركب الدابة أو الحمار في السفر، فتحضره الصلاة فينزل، فيعرض الحمار ويتخذه سترة له.

قال: [كان يعرض براحلته في كل طريق مر بها رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيقال له في ذلك، فيقول: أتحرى أن تقع راحلتي على بعض أخفاف راحلة رسول الله عليه الصلاة والسلام].

أرأيتم كيف يكون الاتباع؟! وليس هو فقط، وليس من أجل أ