والمعلوم أنه ما أحدثت بدعة إلا وأهلكت سنة، فتصور أن تنتشر البدع حتى تكون هي السنن في نظر الناس، ولذلك الآن إذا فتح الله عليك بالعلم، وذهبت إلى قرية من القرى تعلمهم الوضوء الصحيح فإنهم يضحكون عليك؛ لأنك في نظرهم يا ابن الجامعة! صغير، فمثلاً: أنت من مواليد الثمانين، فيقول لك: أنا عمري مائة سنة، فكيف تعلمني الوضوء؟! ووضوءه عبارة عن حفنة ماء يرش بها وجهه من الأمام، ثم يقف إماماً أو خطيباً في الناس! والعجيب أنه الوحيد في البلد الذي عنده إلمام، وأما أنت فلا، ويا ليت أنك تدخله في باقي متاهات العقيدة، أو في التوحيد، أو في الأسماء والصفات، أو في فروع العلم الدقيقة؛ فإنه بذلك يقول لك: فلان جاء بدين جديد، يعني: جاء به من باريس.
وكل واحد فينا من الفلاحين قد مر بهذه المرحلة، فقد كانوا يدعونني في قريتي -ووالدي موجود هنا يسمع- بـ حسن الكاذب، وكان الأهل والجيران والخلان هم الذين يحذرون أكثر تحذير، وهذا كان يذكرني بموقفهم من النبي عليه الصلاة والسلام في العهد المكي.
فتصور أن أدعى حسن الكاذب، فعندما يسمع أحد أن هذا حسن كاذب هل سيأتي أحد ويأخذ منه شيئاً؟ لا، ثم إنني تركت البلد، وقام بالدعوة من بعدي أناس، مع أننا كنا من أحسن الناس أدباً، وألطف الناس ممن سكن معهم، فلم يكن فينا عنف ولا حدة، وقد كان الواحد منهم يجلس على سلم الجامع ويشرب شيشة، فيقال له: يا عم! هات الشيشة معك وادخل فصل، فيقول: لا، أنا لا أصلي، ثم بعد انتهاء الصلاة يقول: يا ليت أني صليت معكم، لقد كسلت.
وآخر وجدته جالساً في بساطة المسجد الخارجية وراكن على جدار المسجد، فلما أنكرت عليه قال: أنا قيم المسجد! فهذا بلاء عظيم جداً.
وفي يوم من الأيام كانوا قد عملوا عرساً على سطح المسجد؛ عملته الجمعية الزراعية، وهذا العرس فيه من المنكرات ما الله به عليم، وفيه بلاء عظيم جداً، لكن من الذي سينكر! فأنا أقول: لو جاز أن يرسل الله تعالى نبياً؛ فإن مصر لا يكفيها إلا خمسة وعشرون نبياً من أولي العزم، ولا يكفيها شيخ ولا داعية إلى الله، مع أن الأصل فيهم الطيبة، لكن قلوب بعضهم أصلب من الصخر!