[وصف ابن بطة للمعارضين للسنة ومقارنتهم بأهل زماننا]
قال: [فهم يموهون على من قل علمه وضعف قلبه، بأنهم يدعون إلى كتاب الله ويعملون به] يعني: صاحب الهوى والبدعة يزعم أنه أفهم لكتاب الله ممن يدعوه إلى بدعته وباطله، وأعرف بسنة النبي عليه الصلاة والسلام منه، ثم هو بعد ذلك يرى أنك على الخطر المبين.
قال: [وهم من كتاب الله يهربون، وعنه يدبرون، وله يخالفون، وذلك أنهم إذا سمعوا سنة رويت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام رواها الأكابر عن الأكابر، ونقلها أهل العدالة والأمانة، ومن كان موضع القدوة والأمانة، وأجمع أئمة المسلمين على صحتها، أو حكم فقهاؤهم بها، عارضوا تلك السنة بالخلاف عليها، وتلقوها بالرد لها، وقالوا لمن رواها عندهم: تجد هذا في كتاب الله عز وجل؟].
يقول لك: أعطني أصل هذه الرواية في كتاب الله، لا يكفي أن تكون هذه الرواية في البخاري ومسلم! والعجيب أن الذي يناقشون بهذا هم أحط خلق الله وأسفل خلق الله، لكن الواحد منهم يظهر بمظهر المدافع عن كتاب الله، فيقول: أنا أعرف أن هذا الحديث في البخاري ومسلم، لكن هل البخاري معصوم؟ وهل مسلم معصوم؟ نقول: ليست القضية متعلقة بشخص البخاري ومسلم، القضية متعلقة بأمة أجمعت على تلقي هذا بالقبول، فأنت مضطر اضطراراً أن تقول حين رفضك لهذه الرواية: إن الأمة منذ أربعة عشر قرناً أجمعت على الضلالة، وتخالف بذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تجتمع أمتي على ضلالة).
ويقول لك: لا، هذا ليس حديثاً؛ لأنه ليس في البخاري ومسلم، وهو منذ قليل يقول: إن البخاري ومسلماً ليسا معصومين.
المهم أن هؤلاء الملاحدة يريدون دروس السنة ومحوها من قلوب الخلق، لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمة، لا علاقة لهم لا بالكتاب ولا بالسنة، ولا بالإيمان ولا بالرسول، لكنهم لا يجرءون مع ما يرونه من قتل من يرفع عقيرته في هذا الزمن، لا يجرءون أن يقولوا للناس ويريحونا: نحن منافقون، أو نحن كفار.
لا يجرءون أن يقولوها؛ لأنهم يعلمون أن بعض الشباب يتربص بهم.
إذاً: فهذه الأفكار الشيطانية ربما انطلت على الجهال والصبيان والبسطاء، لكنها لا تنطلي على أهل العلم، ولذلك لم تنطل على ابن بطة، فيقول حاكياً عنهم ثم يرد عليهم: [وهل نزل في هذا القرآن؟ وائتوني بآية من كتاب الله حتى أصدق بهذا.
فاعلموا رحمكم الله أن قائل هذه المقالة إنما ترقق عن صبوح] الصبوح هو السكر غدوة، تجد الشخص مثلاً بدلاً من أن يشرب حليباً يشرب خمراً، فيسكر على الريق؛ لأنه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فيقول: هذه مقولة من شرب الخمر في أول نهاره، فهؤلاء أناس ملاحدة لا يدرون ما يخرج من رءوسهم من فرط عنادهم وكفرهم.
فقوله: (إن قائل هذه المقولة إنما ترقق) أي: تكلم بها (عن صبوح)، أي: عن سكر.
وهذا بلاء يتعرض له الأطباء النفسيون، يريد أن يوصل العلاج بأي شكل لمريضه، وربما يكون عند المريض خجل، أو انطواء، أو غير ذلك من الأمراض، فيقوم الدكتور يقول لأهل المريض: اتركوه عندي يومين أو ثلاثة فيعطيه حقنة بنج ويسجل كل كلامه، قل لي: ما الذي أغضبك؟ أبوك أغضبك، أمك أغضبتك، امرأتك أغضبتك، ابنك أغضبك.
ما هي القضية؟ ويظل معه حتى يعرف أصل العارض، ويفيق بعد ذلك هذا المريض، فعندما يكون الطبيب قد عرف المرض يبدأ يعرّف المريض أساس العلة المعروفة لديه.
حدثني بهذا طبيب نفساني، قال: إنما يسلك الأطباء النفسانيون هذا المسلك لمعرفة المرض الذي لا يمكن الوصول إليه بطريقة السلم بين الدكتور وبين المريض.