وقال الإمام العظيم إسحاق بن راهويه المروزي: ومما أجمعوا على تكفيره -يعني: ومما أجمع أهل السنة على أنه كافر- من قتل نبياً.
فقد حكموا عليه كما حكموا على الجاحد سواء بسواء، فالمؤمن الذي آمن بالله تعالى، وآمن بما جاء من عند الله تعالى، ثم قتل نبياً فإنه كافر، مع أنه جاء عن الله تحريم قتل المسلم عموماً، والأنبياء أشد حرمة من عامة المسلمين، إذ إن حرمة الأنبياء ليست كغيرهم، كما أن للعلماء حرمة ليست كعامة الناس، فمن باب أولى تكون حرمة الأنبياء أعظم من حرمة العلماء؛ لأنهم أفضل الخلق، ولذلك قال: لو أقر بكل ما جاء من عند الله، لكنه قتل نبياً، أو أعان على قتله وإن كان مقراً بأن هذا نبي أرسله الله عز وجل، يعني: تصور شخصاً الآن يذهب إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ويقول له: ألست مؤمناً بك، ومقراً بنبوتك؟ فيقول له: نعم، ثم يخرج السيف من غمده ويقول له: أشهد أن الله تعالى أرسلك، وأنك نبي ورسول، ثم يرفع سيفه فيقتل النبي محمداً عليه الصلاة والسلام، فهل تتصورون أن الصحابة رضي الله عنهم يتوقفون في تكفير ذلك الرجل؟ هل تتوقعون ذلك؟ ومع هذا قبل أن يقتله بل في اللحظة التي قتل فيها النبي قال: أنا مقر بما جاء من عند الله، وأنك من عند الله، يعني: أنه عبر عن مكنون صدره أنه ليس جاحداً بالرسالة ولا بالنبوة، وإنما ارتكب مجرد فعل يكفر به، ولو أن واحداً قال للنبي: لو أن معي سيفاً لقتلتك، فسمعه أحد الحاضرين وقال: خذ هذا السيف وناوله إياه، فكلاهما يكفر؛ لأنه أعان على قتل نبي، وإن تأذى وحزن صاحب السيف وقال: والله ما حزنت أكثر من حزني لوفاة هذا النبي أو لقتله، وأنا كنت أحبه وكنت متبعاً ومقتدياً به، وأنا مقر بنبوته ورسالته، فهل هذا ينفعه بين يدي الله؟ لا ينفعه، مع أنه لم يرتكب إلا مجرد فعل، إذاً الردة والخروج عن الإسلام يمكن أن يكون بالفعل المجرد، وليس كل الأفعال المجردة تخرج الفاعل من الإسلام إلى الردة، فهناك من الأعمال ما تتناقض مع الإيمان، فإذا وقع فيها المرء خرج من الإيمان، ومن الأعمال ما هو ذنب سواء كان كبيراً أو صغيراً، كما أن من الأعمال ما هو واجب ومنها ما هو مستحب.
قال: قتل نبياً، أو أعان على قتله وإن كان مقراً بنبوته ورسالته، ومع هذا قال إسحاق بن راهويه: هو كافر، وكذلك من شتم نبياً أو رد عليه قوله من غير تقية ولا خوف، ثم قال: أجمع المسلمون.
وانظروا إلى نتائج الإجماع، فعندما تسمع إماماً عظيماً مثل ابن تيمية وإسحاق وغيرهم ينقل الإجماع على قضية من القضايا فلا بد أن تنتبه جداً، إذ الإجماع مصدر من مصادر التشريع، قال: أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئاً من ما أنزل الله عز وجل فما بالك بمن دفع الشرع كله، والدين كله، والأحكام كلها، واستغنى عنها واستبدل مكانها بكيت وكيت؟! أو قاتل نبياً من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله.