فالقرامطة -وإن شئت فقل: الباطنية والإسماعيلية- لهم في دعوتهم مراحل: المرحلة الأولى: مرتبة الرزق، وهو تفرغ حال المدعو من جهة حاجته إلى الدنيا، وهذه طريق للنصارى الآن يستخدمونه خاصة في دعوتهم، فيذهبون إلى كثير من الشعوب وهم يعلمون أن هذه الشعوب مطحونة جوعاً، في الوقت الذي تلقى فيه المواد الغذائية والسلع وغيرها في المحيطات والبحار، وتترك هذه الشعوب الجائعة فريسة في أيدي النصارى، فإذا طلبت هذه الشعوب -تحت وطأة الجوع- طعاماً وشراباً ذهب القساوسة وذهب النصارى إلى هناك، وبينوا بعد ذلك محاسن الدين النصراني، ومحاسن الشريعة النصرانية، وإثبات أن عيسى نبي الله ورحمة الله، أو رحمة السماء إلى الناس وغير ذلك، ثم يقدمون لهم الطعام والشراب باسم المسيح، أو باسم مريم أو يسوع أو غير ذلك، مع جهل هؤلاء المطبق في دين الله عز وجل، فانظر إلى الجهل ويجمع إليه الجوع! ويجمع إليه تقصير المسلمين في حق إخوانهم في جنوب أفريقيا، ويجمع في مقابله دعوة علماء النصرانية إلى دين النصرانية! وقد بلغني بأنه وجد في إحدى البلدان العربية أن قسيساً مد رغيفاً إلى رجل فلما أراد هذا الرجل أن يتناوله قال له: أتؤمن بعيسى؟ قال: نعم، قال: أتؤمن بمحمد؟ قال: نعم، قال: ليس الرغيف لك، يجب أن تقول: الإيمان بعيسى، والكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام في مقابل رغيف! وحتى في مصر يذهبون إلى بيوت الفقراء؛ فيقدمون لهم المساعدات والمعونات وغير ذلك.
المرحلة الثانية: ما يطلقون عليها بالأرض السبخة، أي: دعوة من ليس أهلاً لها، أي: أرض ميتة.
المرحلة الثالثة: مرحلة التأنيس، أي: استمالة كل واحد من المدعوين بما يميل إليه هواه وطبعه من رقص وخلاعة وغيرها، فإن كان يميل إلى الزهد زينوه في عينه وقبحوا نقيضه، وإن كان يميل إلى الخلاعة زينوها وقبحوا نقيضها؛ حتى يحصل له الأنس بهم، فإذا كان يشرب خمراً قالوا له: تعال إلى المسجد وكأس الخمر معك، وادخل المسجد بزجاجة الخمر.
ولذلك كتب بعض أهل العلم: أن مما يثبت أن الدخان حرام عند العامة: أن أحدهم لا يجرؤ أن يدخن في المسجد، ولو كان حلالاً زلالاً فما الذي يمنعه من أن يدخن في المسجد؟ وهذا قد يجده على زنا ولا يقول له: الزنا حرام، بل يقول له: عليك أن تفعل هذا على سطح المسجد، إي والله! لذا فالمهم عنده أنه يلم ويجمع، وليس من المهم التربية والتعليم، وغير مهم بناء الشخصية العلمية القوية التي تزلزل الجبال، لكن المهم بدل أن يكونوا اثنين أن يكونوا ألفاً، لكن هؤلاء الألف لا يثبتون عند أول صيحة.
المرحلة الرابعة: التشكيك في أركان الشريعة، فيقول له: ما قيمة هذا الكلام ((الم)) ((الر)) ((عسق))؟ لا يمكن أن يكون ديناً ولا قرآناً، ولا يمكن أن يكون هذا كلام ربنا عز وجل! والمدعو جاهل من الأصل فيصدق هذا الكلام، بل ويزيده تشكيكاً في دينه فيقول له: لم وجب قضاء صوم الحائض دون قضاء صلاتها؟ ولم وجب الغسل من المني دون البول مع أنهما يخرجان من سبيل واحد؟ ولم كان عدد الركعات بعضها أربعاً وبعضها ثلاثاً وبعضها اثنتين؟ إلى غير ذلك من الأمور التعبدية، فيشككونهم في هذه الأشياء، ويطوون الجواب عنهم؛ لتتعلق قلوبهم بمراجعتهم إياهم فيها، فيذهبون إليه ويقولون له: إذاً ما هو السبب؟ فيقول له: ليس هذا وقته، فلا يزال أمامك وقت، فانظر إلى هذا الكلام الفارغ! وربما يقول له: هذه المسألة كبيرة عليك! مع أنكم تعلمون أن البدوي كان يأتي من البادية وليس هناك رزق ولا تشكيك ولا تأنيس، فيدخل بجرأة على النبي عليه الصلاة والسلام فيقول له: أين محمد؟ فيقول له: أنا محمد، فيقول له: أنا أريد أن أسألك عن كيت وكيت وكيت، والنبي عليه الصلاة والسلام يجيبه بكلام مفهوم وواضح، ثم لا يستفسر منه عن شيء، وإنما يأخذ هذا الكلام ويذهب إلى قومه فيدعوهم بهذه الكلمات البسيطات.
لكن كلام هؤلاء الناس كلام فارغ، وقد استفادت منه جميع الطوائف والفرق حتى في العمل، فحينما تريد أن تذهب لتقابل رئيس مجلس إدارة أخرى فأول شيء تقابل الزبال، والزبال يعرف منك قضيتك من أولها إلى آخرها، فتقول له: أتيت إلى رئيس مجلس الإدارة في موضوع شخصي، وأنا صاحبه وأعرفه، فيقول لك: أنا آسف، أنت صاحبه، لكن هذا أيضاً للمصلحة، ثم يرفع الزبال قضيتك إلى رئيس الزبالين، ورئيس الزبالين يرفعها لعامل المطعم، وعامل المطعم يرفعها للسكرتير الأول، وبعد ذلك الثاني والثالث والرابع والنائب والذي فوق النائب، إلى أن تقول: حقيقة أنا أستقيل من هذه المصلحة، وقد قاربت أن تصل، لكنك قلت ذلك من الملل الذي أصابك.
وانظروا إلى الرجل الذي أتى فربط حماره بباب المسجد النبوي ودخل، وقبل أن يسلم أو يتكلم تنحى في المسجد وبال فيه، وبعد أن بال قال: أين محمد؟ قال: أنا، فقال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فهل مر هذا بمراحل؟ لم يمر على عمر أولاً، وعمر سلمه إلى أبي بكر، وأبو بكر يسلمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم،