[قول الإمام الأوزاعي في لزوم السنة وترك البدعة]
وقال الإمام الأوزاعي عالم الشام: اصبر نفسك على السنة -يعني: ألزم نفسك على اتباع السنة- وإن كان يخفى عليك شيء منها ففوض أمرها إلى الله عز وجل، فليس بلازم أن تفهم كل شيء، ومن من الناس يفهم حتى في مجال عمله كل شيء، الذي يقتات منه في كل يوم، ويمارسه في كل يوم عدة ساعات، تخفى عليه مسائل في عمله، فمن باب أولى أن يسكت عما لم يفهمه فيما يتعلق بأمور الغيب، ويؤمن به كما جاء ويمره إمرار الكرام إيماناً وإقراراً وإثباتاً على ما يليق بالله تعالى بكماله وجلاله، فصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم.
وإذا قلنا: (قف حيث وقف القوم) فإن القوم هم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، والتابعون لهم بإحسان الذين ساروا على نفس الخط ونفس النهج، الذين لم يختلفوا في صفات ذاته تبارك وتعالى، صفات الذات من اليد والعين والساق والقدم وغير ذلك.
أو الخبرية: كالمجيء والإتيان، والغضب والرضا والسخط، وغير ذلك من الصفات فهذه الصفات هل قرأها الصحابة في كتاب الله أم لا؟
الجواب
قرءوها، وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأها التابعون، فإن قيل: هل نحن أحسن من هؤلاء؟
الجواب
لا.
السؤال الثاني: هل النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه: كيف عينك؟ كيف قدمك؟ كيف تنزل إلى السماء الدنيا؟ كيف استويت على العرش؟ الجواب: لا.
فإن قيل: هل يعرف النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؟ الجواب: لا.
لا يعرفه ملك مقرب ولا نبي مرسل، لا يعرفه إلا الله، أي: لا يعرف كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه وتعالى.
ولذلك لم يثبت أن واحداً من الأنبياء أو المرسلين أو الحواريين أو الأصحاب أو آحاد الناس ومن سار على نهجهم ورضي بمنهجهم أنه سأل عن الكيف مطلقاً، وإنما آمن به، وأمره كما جاء، وما خاض فيه بشيء من ذلك.
وهذا يدل على أن الذي خاض سلك سبيلاً غير سبيل المؤمنين، وغير سبيل المرسلين، فهو من أهل الضلال والبدع؛ لأن الأنبياء والمرسلين ما تركوا خيراً إلا وقد دلوا أممهم عليه، وخيرهم نبينا عليه الصلاة والسلام، فما ترك شيئاً فيه خير لنا وصلاح لنا ونفع لنا وتقريب إلى الله وإلى جنته إلا وقد أمرنا به وحثنا عليه، وما ترك شيئاً فيه شر لنا، وفساد لنا، وإبعاد لنا عن ربنا، وإدخال لنا في النار إلا وقد نهانا عنه عليه الصلاة والسلام.
قال: اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، إذا تكلموا في شيء فتكلم فيه؛ لأنهم عن علم تكلموا، فلا بأس أن تتكلم بما تكلموا به، وكف عما كفوا -الذي أمسكوا عنه يجب عليك الإمساك عنه- واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما يسعهم، ولو كان خيراً ما خصكم الله تعالى به دون أسلافكم.
لو قلنا: ناهيكم عن نصوص الشرع، لو وزناها بالمنطق والعقل لقلنا: لا يمكن أن يخفي الله خيراً على نبيه ويظهره لنا! هذا مستحيل، والقول بذلك يلزم منه: أن الأنبياء ما عرفوا الحق وما عرفوا الخير، وإن كانوا قد عرفوه وما بلغوه إلى أممهم فقد خانوا الله وخانوا الرسالة، إذاً: الرسل والأنبياء بلغوا البلاغ المبين، وأقاموا الحجة على سائر الخلق أجمعين، فلو كان الخوض في الصفات خيراً لما أخفاه الله على نبيه وأصحاب نبيه، ثم يبلغ الله به من بعدهم، والقائل بهذا يلزمه أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده إلى يومنا هذا أجمعوا على الضلال، والأمة معصومة من ذلك.
قال: ولو كان خيراً ما خصصتم به دون أسلافكم، وإنه لم يدخر عنهم خير خبئ لكم دونهم في فضل عندكم.
أنتم لستم أفضل منهم، وهم أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام اختارهم الله وبعثه فيهم.