قال:[وجاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: يا أبا عبد الرحمن لقيت ركباً فقلت: من أنتم؟ قالوا: نحن المؤمنون، قال عبد الله بن مسعود: أفلا قالوا: نحن أهل الجنة].
أي: أن عبد الله بن مسعود يريد أن يقول: إذا كنتم أنتم المؤمنون حقاً فينبغي أن تقولوا: نحن أهل الجنة حقاً، وبذلك تلزمون الله تبارك وتعالى بدخولكم الجنة، ولذلك أهل السنة لا يقولون عن فلان بعينه شهيد إلا من شهد له الشرع بأنه شهيد، وإنما يقولون على العموم: شهداء بدر، شهداء أحد، شهداء الخندق، شهداء غزوة كذا، وغزوة كذا؛ لأن الشهداء يقيناً في الجنة، فلو قلنا: بأن فلاناً على جهة اليقين شهيد، لكان لزاماً على الله أن يدخله الجنة، ولا يلزم الله تبارك وتعالى أحكام العباد.
ولذلك ينبغي أن نقول: فلان نحسبه شهيداً والله تعالى حسيبه، ونقول: فلان رجل صادق لا نزكيه على الله، والله تعالى يتولى أمره، لكن الذي يبدو لنا منه الصلاح والتقوى والعمل الصالح وغير ذلك، ما يدرينا أن الله تعالى يقبل هذا؟ ما يدرينا أنه يفعل ذلك رياء وسمعة؟ ما يدرينا أنه يفعل ذلك شهرة وتصدراً في المجالس؟ ما يدرينا أن الله تعالى قبل عمله؟ ما يدرينا أن هذا العمل قد حقق كمال الإيمان وتمامه؟ كل ذلك نحن لا نعلمه، الله تعالى يعلمه.
قال:[وعن الحسن أن رجلاً قال عند عبد الله بن مسعود: إني مؤمن، فقيل لـ ابن مسعود: إن هذا يزعم أنه مؤمن، قال: فاسألوه أفي الجنة هو أم في النار؟ فسألوه فقال: الله أعلم].
أي: سألوه: هل أنت يا أخي! مؤمن أم لا؟ قال: مؤمن، إذاً هل أنت في الجنة أم في النار؟ قال: الله أعلم، فلم لم تقل في الأولى: أنا مؤمن إن شاء الله، أي: تعلق الأولى كما علقت الثانية.
قال:[فسألوه فقال: الله أعلم، فقال له عبد الله: فهل وكلت الأولى كما وكلت الآخرة؟].
أي: هلا قلت في الأولى: أنا مؤمن إن شاء الله، كما قلت: الله أعلم، حينما سئلت: أأنت في الجنة أم في النار؟ قال: [وعن علقمة أنه كان بينه وبين رجل من الخوارج كلام فقال له علقمة: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[الأحزاب:٥٨].
فقال الرجل: ومؤمن أنت؟ قال: أرجو، أي: أرجو أن أكون عند الله مؤمناً.
قال: وعن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول في خطبته: من يتأل على الله يكذبه]، أي: من يحلف على الله عز وجل بأنه مؤمن فهو كذاب؛ لأن علم ذلك راجع إلى الله عز وجل.