للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِيَارِهِمْ- يَعْنِي بَنِي النَّضِيرِ- فَإِنْ بَعَثُوا إِلَيْكُمْ يَسْأَلُونَكُمْ رَهْنًا فَلا تَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَحَدًا وَاحْذَرُوهُمْ، ثُمَّ أَتَى غَطَفَانَ، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ رَجُلا مِنْهُمْ فَصَدَّقُوهُ، وَأَرْسَلَتْ قُرَيْظَةُ إِلَى قُرَيْشٍ: إِنَّا وَاللَّهِ مَا نَخْرُجُ فَنُقَاتِلُ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وسلّم حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا مِنْكُمْ [يَكُونُونَ] عِنْدَنَا، فَإِنَّا نَتَخَوَّفُ أَنْ تَنْكَشِفُوا وَتَدَعُونَا وَمُحَمَّدًا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: صَدَقَ نُعَيْمٌ.

وَأَرْسَلُوا إِلَى غَطَفَانَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُوا إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالُوا جَمِيعًا: إِنَّا وَاللَّهِ مَا نُعْطِيكُمْ رَهْنًا وَلَكِنِ اخْرُجُوا فَقَاتِلُوا مَعَنَا. فَقَالَتِ الْيَهُودُ: نَحْلِفُ بِالتَّوْرَاةِ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي قَالَ نُعَيْمٌ لَحَقٌّ، وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ يَقُولُونَ: الْخَبَرُ مَا قَالَ نُعَيْمٌ، وَيَئِسَ هَؤُلاءِ مَنْ نَصْرِ هَؤُلاءِ، وَهَؤُلاءِ مِنْ نَصْرِ هَؤُلاءِ. وَاخْتَلَفَ أَمْرُهُمْ وَتَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَكَانَ نُعَيْمٌ يَقُولُ: أَنَا خَذَلْتُ بَيْنَ الأَحْزَابِ حَتَّى تَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَأَنَا أَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سِرِّهِ [١] .

قَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ: فَلَمَّا اسْتَوْحَشَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ صَاحِبِهِ، اعْتَلَّتْ قُرَيْظَةُ بِالسَّبْتِ، فَقَالُوا: لا نُقَاتِلُ، وَهَبَّتْ لَيْلَةَ السَّبْتِ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لَسْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ، لَقَدْ هَلَكَ الْخَفُّ وَالْحَافِرُ، وَأَجْدَبَ الْجُنَابُ وَأَخْلَفَتْنَا بنو قريظة، و [لقد] لَقِينَا مِنَ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعَسَاكِرِ قَدِ انْقَشَعُوا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَةَ لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ.

فروى/ مسلم في أفراده من حديث إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، عن أبيه، قال: كنا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت [٢] ، فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذَلكَ، لقد رأيتنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر [٣] ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة» فسكتنا فلم يجبه أحد، ثم قَالَ: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة» فسكتنا ولم يقم قائم، فقال: «قم يا حذيفة» فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي إلا أن أقوم، قال: «اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي» [٤] ، فلما وليت من عنده جعلت


[١] الخبر في طبقات ابن سعد ٤/ ٢/ ٢٠، ٢١.
[٢] أي: بالغت في نصرته.
[٣] القر: البرد.
[٤] أي لا تحركهم عليك، فإنّهم إن أخذوك كان ضررا عليّ لأنك رسولي وصاحبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>