للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمرة يحمل ابن الزبير في هذه الناحية، ومرة في هذه الناحية، كأنه أسد لا يقدم عليه الرجال، وقالت لابن الزبير/ زوجته: اخرج أقاتل معك؟ فقال: لا، وأنشد:

كتب القتل والقتال علينا ... وعلى المحصنات جر الذيول

فلما كان يوم الثلاثاء صبيحة سبع عشرة من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وقد أخذ الحجاج على ابن الزبير الأبواب، وبات ابن الزبير يصلي ليلته، ثم احتبى بحمائل سيفه فأغفى، ثم انتبه، فقال: أذن يا سعد، فأذن عند المقام، وتوضأ ابن الزبير، وركع ركعتي الفجر ثم تقدم، وأقام المؤذن، فصلى بأصحابه، فقرأ: ن وَالْقَلَمِ ٦٨: ١. وقال:

من كان سائلا عني فإني في الرعيل الأول، وأنشد:

ولست بمبتاع الحياة بسبة ... ولا مرتق من خشية الموت سلما

ثم قال: احملوا على بركة الله، ثم حمل حتى بلغ بهم الحجون، فرمي بآجرة فأصابته في وجهه فأرعش لها ودمي وجهه، فلما وجد سخونة الدم تسيل على وجهه ولحيته، قال يرتجز [١] :

فلسنا على الأعقاب تدمي كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما

وتغاووا عليه [٢] فقتل.

وجاء الخبر إلى الحجاج فسجد وسار حتى وقف عليه ومعه طارق بن عمرو، فقال طارق: ما ولدت النساء أذكر من هذا فبعث الحجاج رأسه ورأس عبد الله بن صفوان ورأس عمارة بن عمرو إلى المدينة، فنصبت بها، ثم ذهب بها إلى عبد الملك، وسيأتي تمام قصة ابن الزبير في ذكر من مات في هذه السنة.

[وفي هذه السنة اجتمع الناس على عبد الملك]

فكتب إليه ابن عمر، وأبو سعيد، وسلمة بن الأكوع بالبيعة، وكان عبد الملك يجلس للناس في كل أسبوع يومين.


[١] البيت للحصين بن الحمام المري (ديوان الحماسة بشرح المرزوقي ١/ ١٩٢) .
[٢] في الأصل: «وتعاونوا عليه» وفي ت: «تغاءروا» وما أوردناه من الطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>