للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إنه نزل من على المنبر وانهزم أهل العراق لا يلوون على شيء، ومضى عبد الرحمن في أناس من أهل بيته إلى منزله، فخرجت إليه ابنته فالتزمها، وخرج أهله يبكون، فأوصاهم بوصية، / وقال: لا تبكوا، فكم عسيت أن أبقى معكم، وإن الذي يرزقكم حي، ثم ودعهم وخرج من الكوفة، فقال الحجاج: لا تتبعوهم، ومن رجع فهو آمن.

وجاء الحجاج إلى الكوفة فدخلها، فجاء الناس إليه، فكان لا يبايعه أحد إلا قال:

أتشهد أنك كفرت، فإذا قال نعم بايعه وإلا قتله، فجاء رجل من خثعم فقال له: أتشهد أنك كافر؟ فقال: بئس الرجل أنا إن كنت عبدت الله عز وجل ثمانين سنة ثم أشهد على نفسي بالكفر، قال: إذا أقتلك، قال: وإن قتلتني فو الله ما بقي من عمري ظمء حمار [١] ، وإني لأنتظر الموت صباحا ومساء، فقال: اضربوا عنقه، فضربت عنقه.

ودعا بكميل بن زياد فقتله، وأتي برجل فقال الحجاج: إني أرى رجلا ما أظنه يشهد على نفسه بالكفر، فقال: أخادعي أنت عن نفسي، أنا أكفر أهل الأرض، وأكفر من فرعون ذي الأوتاد، فضحك الحجاج وخلى سبيله.

وأقام الحجاج بالكوفة شهرا.

[وفي هذه السنة كانت الوقعة بمسكن بين الحجاج وابن الأشعث بعد ما انهزم من دير الجماجم [٢]]

وكان السبب أن محمد بن سعد بن أبي وقاص خرج بعد وقعة الجماجم حتى نزل المدائن، واجتمع إليه ناس كثير، وخرج عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد حتى قدم البصرة وهو بها، فاجتمع الناس إلى عبد الرحمن، فأقبل عبيد الله إليه وقال: إنما أخذتها لك. وخرج الحجاج قبل المدائن [٣] ، فأقام بها خمسا حتى هيأ الرجال في المعابر، وخندق ابن الأشعث وأقبل نحو الحجاج والتقوا، فاقتتلوا فانهزم أهل العراق، وقتل أبو


[١] في الأصل: «عظمي حمار» . في ت: «كظميء حمار» وما أوردناه من تاريخ الطبري.
[٢] تاريخ الطبري ٦/ ٣٦٦.
[٣] كذا في الأصول، وفي الطبري «فبدأ المدائن» .

<<  <  ج: ص:  >  >>