للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الحوادث في هذه السنة: أن أبا الفتوح الأسفراييني، وكان لا يعرف الحديث إنما هو في ذلك على عادة القصاص، سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات» فقال: هذا ليس بصحيح. والحديث في الصحيح. وقال: يوما على المنبر: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت؟ قال: أعمى بين عميان، ضالا بين ضلال. فنقل ذلك إلى الوزير ابن صدقة فاستحضره فأقر وأخذ يتأول بتأويلات باردة فاسدة، فقال الوزير للفقهاء: ما تقولون؟ فقال ابن سلمان مدرس النظامية [١] : / لو قال هذا الشافعيّ ١٠٦/ أما قبلنا منه ويجب على هذا أن يجدد إسلامه وتوبته. فمنع من الجلوس بعد أن استقر أن يجلس ويشد الزنار ويتوب، ثم يرحل من بغداد، فنصره قوم من الأكابر يميلون إلى اعتقاده، فأعادوه إلى الجلوس، وكان يتكلم بما يسقط حرمة المصحف من قلوب الناس فافتتن به [٢] خلق كثير.

[زيادة الفتن في بغداد]

وزادت الفتن في بغداد، وتعرض أصحاب أبي الفتوح بمسجد ابن جردة فرجموا ورجم معهم أبو الفتوح، وكان إذا ركب يلبس الحديد ومعه السيوف المجذبة تحفظه، ثم اجتاز بسوق الثلاثاء فرجم ورميت عليه الميتات. ومع هذا يقول: ليس هذا الذي نتلوه كلام الله إنما هو عبارة ومجاز، والكلام الحقيقي قائم بالنفس. فينفر أهل السنة كلما سمعوا هذا، فلما كان اليوم الذي دفن فيه أبو الحسن ابن الفاعوس انقلبت بغداد لموته، وغلقت الأسواق، وكان الحنابلة يصيحون على عادتهم هذا يوم سنى حنبلي لا قشيري ولا أشعري، ويصرخون بسبب أبي الفتوح، فمنعه المسترشد من الجلوس، وأمر أن لا يقيم ببغداد، وكان ابن صدقة يميل إلى مذهب أهل السنة فنصرهم.

فلما أن كان يوم الأحد العشرين من شوال: ظهر عند انسان وراق كراسة قد اشتراها في جملة كاغذ بذل من عنده فيها مكتوب القرآن، وقد كتب بين كل سطرين من القرآن سطر من الشعر على وزن أواخر لآيات، ففتش على كاتبها، فإذا به رجل/ معلم ١٠٦/ ب يقال له: ابن الأديب، فكبس بيته، فوجدوا فيه كراريس على هذا المعنى، فحمل إلى الديوان فسئل عن ذلك فأقر، وكان من أصحاب أبي الفتوح، فحمل على حمار، وشهر


[١] في الأصل: «فقال ابن سليمان مدرس النظامية» .
[٢] في ص: «من قلوب العوام فافتتن به» .

<<  <  ج: ص:  >  >>