للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال معاوية: خذها/ لا بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا. فَارْتَجَزَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ:

خَلُّوا عَنِ الطَّرِيقِ للأَعْرَابِيِّ ... أَلَمْ تَرْقُوا وَيْحَكُمْ لِمَا بِي

قَالَ: فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَأَمَرَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ وَنَاقَةٍ وَوِطَاءٍ. وَأَمَرَ بِهَا فَأُدْخِلَتْ فِي بَعْضِ قُصُورِهِ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنَ ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ، ثُمَّ أَمَرَ بِدَفْعِهَا إِلَى الأَعْرَابِيِّ.

وفِي هذه السنة اشتد عبيد الله بن زياد على الخوارج [١]

فقتل منهم صبرا جماعة كثيرة، وفِي الحرب جماعة أخرى، وممن قتل منهم صبرا عروة بن أدية.

وسبب ذلك أن ابن زياد خرج فِي رهان له، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع الناس وفيهم عروة بن أدية، فأقبل على ابن زياد، فقَالَ: خمس كن فِي الأمم [قبلنا] [٢] ، فقد صرن فينا: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ٢٦: ١٢٨- ١٣٠ [٣] وذكر خصلتين نسيهما الراوي، فلما قَالَ ذلك ظن ابن زياد أنه لم يجترئ على مثل ذلك إلا ومعه جماعة من أصحابه، فقام فركب وترك رهانه، فقيل لعروة: ما صنعت، والله ليقتلنك. فتوارى، فطلبه ابن زياد فأتى الكوفة، فأخذ به ابن زياد فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، ثم دعاه فقَالَ: كيف ترى؟ قَالَ: أرى أنك أفسدت دنياي وأفسدت آخرتك، فقتله، وأرسل إلى ابنيه فقتلهما.

وكان ابن زياد قد حبس مرداس بن أدية، وكان السجان يرى عبادته واجتهاده، فكان يأذن له فِي الليل فينصرف، فإذا طلع الفجر أتاه فدخل السجن، فذكر ابن زياد الخوارج ليلة، فعزم على قتلهم إذا أصبح، فانطلق صديق لمرداس إلى منزله وأخبرهم، فأرسلوا إليه ليعهد، فسمع ذلك مرداس، وبلغ الخبر صاحب السجن فبات بليلة سوء إشفاقا من أن يعلم مرداس الخبر فلا يرجع. فلما كان وقت رجوعه جاء، فقَالَ له السجان: هل علمت ما عزم عليه الأمير؟ قَالَ: نعم. فلما قدم/ ليقتل، وثب ١٢٠/ ب السجان- وكان ظئرا لعبيد الله- فأخذ بقدمه وقَالَ: هبه لي، وقص عليه القصة، فوهبه له


[١] تاريخ الطبري ٥/ ٣١٢.
[٢] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[٣] سورة الشعراء، الآية: ١٢٨- ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>