فَمَا سَمِعْتُ كَمَا بُلِّغْتُ مِنْ عَجَبٍ ... وَلا فِعَالُكَ حَقًّا فِعْلَ فِتْيَانِ [١]
فَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُ مُعَاوِيَةَ عَلَى ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ تَنَفَّسَ الصَّعْدَاءَ وقال: وددت أن ١١٩/ ب أَمِيرَ/ الْمُؤْمِنِينَ خَلَّى بَيْنِي وَبَيْنَهَا سَنَةً ثُمَّ عَرَضَنِي عَلَى السَّيْفِ، وَجَعَلَ يُؤَامِرُ نَفْسَهُ فِي طَلاقِهَا فَلا يَقْدِرُ، فَلَمَّا أَزْعَجَهُ الْوَفْدُ طَلَّقَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا سُعَادُ، اخْرُجِي، فَخَرَجَتْ شَكِلَةً غَنِجَةً، ذَاتَ هَيْئَةٍ وَجَمَالٍ، فَلَمَّا رَآهَا الْوَفْدُ قالوا: ما تصلح هذه إِلا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لا لأَعْرَابِيٍّ، وَكَتَبَ جَوَابَ كِتَابِهِ يَقُولُ:
لا تَحْنَثَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ ... أُوفِي بِعَهْدِكَ فِي رِفْقٍ وَإِحْسَانٍ
وَمَا رَكِبْتُ حَرَامًا حَيْثُ أَعْجَبَنِي ... فَكَيْفَ سُمِّيتُ بِاسْمِ الْخَائِنِ الزَّانِ
وَسَوْفَ يَأْتِيكَ شَمْسٌ لا خَفَاءَ بِهَا ... أَبْهَى الْبَرِيَّةِ مِنْ إِنْسٍ وَمِنْ جَانٍ
حَوْرَاءُ يَقْصُرُ عَنْهَا الْوَصْفُ إِنْ وُصِفَتْ ... أَقُولُ ذَلِكَ فِي سِرٍّ وَإِعْلانٍ
فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، قَالَ: إِنْ كَانَتْ أُعْطِيَتْ حُسْنَ النِّعْمَةِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَهِيَ أَكْمَلُ الْبَرِيَّةِ، فَاسْتَنْطَقَهَا فَإِذَا هِيَ أَحْسَنُ النَّاسِ كَلامًا وَأَكْمَلُهُمْ شَكْلا وَدلا، فَقَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ فَهَلْ مِنْ سَلْوٍ عَنْهَا بِأَفْضَلِ الرَّغْبَةِ، قَالَ: نَعَمْ إِذَا فَرَّقْتَ بَيْنَ رَأْسِي وَجَسَدِي، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
لا تَجْعَلْنِي وَالأَمْثَالُ تُضْرَبُ بِي ... كَالْمُسْتَغِيثِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ
أَرْدُدْ سُعَادَ عَلَى حَيْرَانَ مُكْتَئِبٍ ... يُمْسِي وَيُصْبِحُ فِي هَمٍّ وَتِذْكَارٍ
قَدْ شَفَّهُ قَلَقٌ مَا مِثْلُهُ قَلَقٌ ... وَأَسْعَرَ الْقَلْبُ مِنْهُ أَيَّ إِسْعَارٍ
وَاللَّهِ وَاللَّهِ لا أَنْسَى مَحَبَّتَهَا ... حَتَّى أَغِيبَ فِي رَمْسٍ وَأَحْجَارٍ
كَيْفَ السَّلْوُ وَقَدْ هَامَ الْفُؤَادُ بِهَا ... وَأَصْبَحَ الْقَلْبُ عَنْهَا غَيْرَ صَبَّارٍ
قَالَ: فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ غَضَبًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي إِنْ شِئْتِ أَنَا، وَإِنْ شِئْتِ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ، وَإِنْ شِئْتِ الأَعْرَابِيَّ. فَأَنْشَأَتْ سُعَادُ وَارْتَجَزَتْ تَقُولُ:
هَذَا وَإِنْ أَصْبَحَ فِي الْخِمَارِ ... وَكَانَ فِي نَقْصِ مِنَ الْيَسَارِ
أَكْثَرُ عِنْدِي مِنْ أَبِي وَجَارِي ... وَصَاحِبِ الدِّرْهَمِ والدينار
أخشى إذا غدرت حر النار
[١] في الأصل: «فعل إنسان» .