للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يختم القرآن في كل سبعة أيام، ولا يخرج من بيته إلا إلى الجامع للجمعة وللمجلس، وما مازح أحدا قط، ولا لعب مع صبي، ولا أكل من جهة لا يتيقن حلها، وما زال على ذلك الأسلوب حتى توفاه الله [١] .

[محنة ابن الجوزي ووفاته:]

كعادة العلماء عند ما يصل الواحد منهم إلى درجة عالية من العلم تكثر حوله الوشايات والأحقاد، فقد تعرض ابن الجوزي إلى محنة كان لها الأثر في القضاء عليه.

فكانت محنته أن ابن يونس الحنبلي لما ولي الوزارة عقد مجلسا للركن عبد السلام بن عبد الوهاب، وأحرق كتبه لما فيها من الزندقة وعبادة النجوم ورأي الأوائل، وذلك بمشورة من ابن الجوزي وغيره من العلماء، كما انتزع الوزير مدرسة الركن عبد السلام وسلّمها إلى ابن الجوزي، فلما ولي الوزارة ابن القصاب- وكان رافضيا خبيثا- سعى في القبض على ابن يونس، وتتبع أصحابه، وأجج الركن عبد السلام نار الحقد في قلبه على ابن الجوزي مشيرا إلى انه ناصبي وانه من أولاد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وأنه من أكبر أصحاب ابن يونس، ثم وشى به إلى الخليفة الناصر، وكان له ميل إلى الشيعة.

واستطاع الركن عبد السلام أن يأخذ تفويضا بالتصرف بالشيخ فجاء إلى داره وقذفه وأهانه، وأخذه قبضا باليد، وختم على داره، وشتت أولاده، ثم أخذه وعليه غلالة بلا سراويل وعلى رأسه تخفيفة وأركبه سفينة بقي فيها خمسة أيام لم يتناول طعاما إلى أن أوصله إلى سجن في واسط، حيث دخله في سنة ٥٩٠ هـ-، وبقي فيه إلى سنة ٥٩٥ هـ-.

أي أن عمره خلال سجنه قد قارب الثمانين عاما، وظل في سجنه يغسل ثوبه، ويطبخ الشيء بنفسه دون أن تتاح له الفرصة لدخول الحمام خلال هذه السنوات الخمس، وبقي الشيخ على حاله تلك صابرا على ما أنزله الله عزّ وجلّ فيه من بلواه محتسبا عنده ثواب عمله، راضيا بقضاء الله وقدره، يسليه ربه عز وجل، فيدخل عليه بعض الناس ممن يستمعون منه العلم أو يملي عليهم مسائله، فيجد بذلك أنس قلبه، وسلوى نفسه، وفي تلك الأثناء برع ولده يوسف في الوعظ حتى وصل إلى مقامات عالية ساعدته معها


[١] مرآة الزمان ٨/ ٣١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>