أما بالنسبة للمحدثين من تراجمه فقد اعتمد على يحيى بن معين في تاريخه حتى عام ٢٤٨ هـ-. وما قيل في الرجال من مصطلحات الجرح والتعديل، وكان في معظم النصوص ناقلا حرفيا. والإمام البخاري في «تاريخه الكبير، والصغير» حتى عام ٢٤٨ هـ- أيضا. وكان على غرار اقتباساته من يحيى بن معين ناقلا حرفيا. وابن أبي حاتم الرازيّ في كتابه «الجرح والتعديل» والدار الدّارقطنيّ. وقد كانت معظم النصوص المستقاة عنه في تراجمه للمحدثين مودعة في «تاريخ بغداد» وكذلك الحال اقتباساته من أبي بكر البرقاني، وأبي عبد الله الصوري، وأبي الحسن العتيقي، الذين هم من موارد الخطيب.
أما الفترة التاريخية التي أعقبت «تاريخ الطبري» فقد كان ابن الجوزي قد اعتمد على أبي بكر الصولي، وكان قد استقى مادته من كتاب «الأوراق» لأن بعضها جاء متطابقا مع كتاب «أخبار الراضي والمتقي» الّذي يشكل جزءا منه، ويبدو أنه قد أحاط الصولي بثقة كبيرة، فقد نقل عنه حرفيا دون أن يكون ناقدا لأحد النصوص في الفترة الواقعة بين ١٠٢ هـ- إلى ٣٣٦ هـ-. وكذلك اعتمد على أبي علي التنوخي في كتابه «نشوار المحاضرة» حتى عام ٣٥٤ هـ-. وهلال بن المحسن الصابي في «خطط بغداد وحضارتها» حتى عام ٤٦٦ هـ-. وكان شيوخ ابن الجوزي مصادره الأساسية في الفترة التي أعقبت وفاة الخطيب البغدادي حتى العقد الثاني من القرن السادس الهجريّ حيث يصبح ابن الجوزي مصدر الحوادث ومؤرخ عصره [١] .
[أهمية كتاب المنتظم:]
تميز كتاب المنتظم عما سبقه من كتب، حيث إنه جميع بين كونه مسردا تاريخيا للأحداث على مدار السنوات، واحتوائه على ثلاثة آلاف وثلاثمائة وسبعين ترجمة لمختلف الشخصيات من خلفاء، وملوك، ووزراء، وفقهاء ومحدثين، ومورخين، وفلاسفة، وشعراء، ومصنفين وغيرهم. وهذا ما لم يسبقه أحد من المؤرخين إليه، ولكن قلّده من جاء بعده في طريقته.
فقد كان لابن الجوزي الفضل في تغيير أسلوب كتابة التاريخ، فأصبح من أسلوب السرد غير المنسق إلى أسلوب منسق ملتزم بمنهج يسير عليه، فلا يسهب في سرد الأحداث ويهمل التراجم، أو العكس، ولكن يعطي لكل من الجانبين ما يستحقه.