للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد الظهر، فقال الناس: مات أفقه الناس وأشعر الناس. وكان كثير يقول عند موته لأهله: لا تبكوا علي فإني بعد أربعين يوما أرجع.

٥٨٢- يزيد بن عبد الملك بن مروان:

توفي بالبلقاء من أرض دمشق وهو ابن ثمان وثلاثين، وقيل: ثلاث وثلاثين، وكانت وفاته يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان هذه السنة، وصلى عليه نساء الوليد، وكان هشام بن عبد الملك يومئذ بحمص، وكانت خلافته أربع سنين وشهرا.

وكان سبب موته أنه كانت له جارية اسمها حبابة، وكان يحبها حبا شديدا، فماتت فتغير وبقي أياما لا يظهر للناس، ثم مات.

وروى أبو بكر بن دريد، عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، عن عمه، قال:

حج يزيد بن عبد الملك في خلافة أخيه سليمان بن عبد الملك، فعرضت عليه جارية مغنية جميلة، فأعجب بها غاية الإعجاب فاشتراها بأربعة آلاف دينار، وكان اسمها الغالية فسماها حبابة، وكان يهواها الحارث بن خالد المخزومي، فقال لما بلغه خروج يزيد بها:

ظعن الأمير بأحسن الخلق ... وغدا بليل مطلع الشرق

وبلغ سليمان خبرها فقال: لهممت أن أحجر على يزيد يبتاع جارية بأربعة آلاف دينار، وكان يزيد يهابه ويتقيه، فتأدى إليه قوله فردها على مولاها واسترجع منه المال، وباعها مولاها من رجل من أهل مصر بهذا الثمن، ومكث يزيد آسفا متحسرا عليها، فلم تمض إلا مديدة حتى تقلد يزيد الأمر.

فبينا هو [في] [١] بعض الأيام مع امرأته سعدى بنت عمرو بن عثمان إذ قالت له:

بقي في قلبك شيء [٢] من أمور الدنيا لم تنله؟ قال: نعم حبابة، فأمسكت حتى إذا كان من الغد أرسلت بعض ثقاتها إلى مصر، ودفعت إليه مالا وأمرته بابتياع حبابة، فمضى فما كان بأسرع من أن ورد وهي معه قد اشتراها، فأمرت سعدى قيمة جواريها أن تصنعها، وكستها من أحسن الثياب، وصاغت لها من أفخر الحليّ، ثم قالت


[١] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[٢] في ت: «بقي في نفسك شيء» .

<<  <  ج: ص:  >  >>