للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا أنا مردود بما جئت طالبا ... ولا حبها فيما يبيد يبيد

يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ... ويحيا إذا فارقتها فيعود

فغنته الجارية وسقط مغشيا عليه ساعة، ثم أفاق، فقال له عبد/ الملك: مرها فلتغنك الصوت الثالث. فقال: يا جارية غني بشعر قيس بن الملوح:

وفي الجيرة الغادين من بطن وجرة ... غزال غضيض المقلتين ربيب

فلا تحسبي أن الغريب الذي نأى ... ولكن من تنأين عنه غريب

فغنته الجارية، فطرح الغلام نفسه من المستشرق فلم يصل إلى الأرض حتى تقطع. فقال عبد الملك: ويحه لقد عجل على نفسه، ولقد كان تقديري فيه غير الذي فعل، وأمر فأخرجت الجارية من قصره، ثم سأل عن الغلام، فقالوا: غريب لا يعرف، إلا أنه منذ ثلاث ينادي في السوق ويده على رأسه:

غدا يكثر الباكون منا ومنكم ... وتزداد داري من دياركم بعدا

[وفي هذه السنة وجه عبد الملك عمر بن عبيد الله لقتال أبي فديك]

وأمره أن ينتدب معه من أحب، فقدم الكوفة فندب أهلها، فانتدب معه عشرة آلاف، فأخرج لهم أعطياتهم [١] ، ثم سار بهم، فجعل أهل الكوفة على الميمنة وعليهم محمد بن موسى بن طلحة، وجعل أهل البصرة على الميسرة وعليهم ابن أخيه عمر بن موسى بن عبيد الله، وهو في القلب، حتى انتهوا إلى البحرين، فصف عمر أصحابه، وقدم الرجالة في أيديهم الرماح، فحمل أبو فديك وأصحابه حملة واحدة فكشفوا ميسرة عمر، فارتث عمر [٢] ، وحمل أهل الكوفة وأهل البصرة، واستباحوا عسكر العدو، وقتلوا أبا فديك، وحصروهم، فنزلوا على الحكم، فقتلوا منهم نحوا من ستة آلاف، وأسروا ثمانمائة، وانصرفوا إلى البصرة.


[١] «أعطياتهم» ساقطة من ت.
[٢] المرتث: الصريع الّذي يثخن في الحرب، ويحمل حيّا ثم يموت. وقيل: هو الّذي يحمل من المعركة وبه رمق.

<<  <  ج: ص:  >  >>