الحمد للَّه الَّذِي سبق الأزمان وابتدعها، والأكوان واخترعها والجواهر وجمعها، والأجسام وصنعها، والسماء ورفعها، والأنوار وشعشعها، والشمس واطلعها، والمياه وأنبعها، والأقوات وزرعها، منع آلات الحس عَن إدراكه وقطعها، ووهب لنفس الآدمي نفائس المعارف وأقطعها وخصها دُونَ الخلائق بمعاني أودعها، فعلمت أَنَّهَا أين كانت وكيف كانت فَهُوَ معها.
أحمده عَلَى نعم أكثرها وأوسعها، وأشهد بوحدانيته من براهين أكدت مَا أودعها إِلَى نفس تقر أَنَّهُ يعلم مستقرها ومستودعها.
وأصلي عَلَى رسوله مُحَمَّد أشرف من جاء بملة وشرعها، وألطف من ضاقت حاله عَلَى أمته فوسعها، وعلى أَصْحَابه وأتباعه إِلَى أَن تسكن كُل نفس من الْجَنَّة والنار موضعها، أما بَعْد:
فإني رأيت النفوس تشرئب إِلَى معرفة بدايات الأشياء، وتحب سماع أخبار الأنبياء، وتحن إِلَى مطالعة سير الملوك والحكماء، وترتاح إِلَى ذكر مَا جرى للقدماء.
ورأيت المؤرخين يختلف مقادهم فِي هذه الأنباء، فمنهم من يقتصر عَلَى ذكر الأنبياء الابتداء، وَمِنْهُم من يقتصر عَلَى ذكر الملوك والخلفاء، وأهل الأثر يؤثرون ذكر العلماء، والزهاد يحبون أحاديث الصلحاء، وأرباب الأرب يميلون إِلَى أهل الأدب والشعراء. ومعلوم أن الكل مطلوب، والمحذوف من ذَلِكَ مرغوب، فآتيتك بِهَذَا الكتاب الجامع لغرض كُل سامع، يحوي عيون المراد من جميع ذَلِكَ، والله المرشد إِلَى أصوب المسالك.